Mar 21, 2006

يوم الأم ويوم الصديق


في الحادي والعشرين لشهر آذار من كل عام, نلتقي بيوم جميل وخلاب, بداية فصل الربيع. والروعة فيه ليست لانه يوم يحتفل فيه العالم بالأم, فأنا ضد هذه الامور التي نتناقلها عن الغرب, وانما أحبه لآنه أول يوم بالربيع. فالشتاء مصدر الازعاج ببرده القارس ورعده المزعج, والصيف مصدر الازعاج بحرارته الملتهبة ورطوبته المضايقة وهوائه الساخن ونهاره الطويل. اما الخريف فلا وصف عندي له سوى انه مذبذب بين هذا وذاك. من هذا المنطلق فاني احب الربيع الذي يتسم بالجو اللطيف المتزن والعدل بين النهار والليل والسماء الصافية, وربما يوم الأم.

ذات يوم, وتحديدا بعد يوم الأم قبل ثلاث سنوات, كنت اجلس مع اصدقائي ايام المدرسة. كان الحديث وقتها عن المرحلة القادمة من العام والتحضيرات الصيفية وما الى ذلك من الحديث, حتى وصل الحديث بنا الى يوم الأم. فقال أحد الجالسين, ان امه قالت له قبل ايام ان يوم الأم قد اقترب, فذهب باحثا عن كل السبل المتاحة حتى انى لها بأربعمائة شاقل "من تحت الأرض" حسب قوله. فكرت قليلا وانا اخرج دخان النرجيلة وقلت له, تذكر .. ان يوم الصديق على الأبواب.

Mar 11, 2006

الطريق الى الصوديوم


في ايام الثانوية, كنت متحمسا جدا لدروس الكيمياء. كان ذلك الحماس قد تكون لدي بسبب عمق الكيمياء ودورها اللامحدود في حياتنا اليومية, وتطور ذلك السبب الى الفضول الذي دفعني بشكل ملحوظ لاختيار القسم العلمي على الأدبي في المرحلة الثانوية. الكيمياء كانت وما زالت حسب اعتقادي, الموضوع الذي جذبني بشدة كبيرة لآفهمه وأتعمق فيه, وليس بالضرورة كموضوع دراسي علي ان انجح فيه. الكيمياء ثورة بحد ذاتها, وحقل تجارب طويل الأمد امتد منذ القدم وحتى يومنا هذا ليجلب معه كل جديد ويستمر في التقدم ومواكبة التطورات الطبيعية التي تعكس بدورها رؤيا تطبيقية تسير مواكبة الحياة الانسانية على كوكب الأرض.

في اولى الحصص التي تعلمتها في الثانوية على يد الاستاذ سامي ابو شرقية, تعلمت الجدول الدوري والعناصر ووظيفة كل عنصر فلزي وغير فلزي وجامد وسائل وغازي. من الامور التي تعلمتها, قدرة بعض العناصر على انتاج الطاقة الكافية, لاشعال الحرائق او حتى لعمل انفجار ما, اذا ما استعملنا كمية كافية من عناصر معينة. كانت تلك الفكرة جنونية جدا, لدرجة اني بذلت الكثير من الوقت في الحديث والتدقيق في هذا الامر مع اصدقائي في المدرسة, بل كنا نبحث باستمرار عن عناصر معينة والتي كان من ورائها هدف واحد وهو استعمالها لنثبت لأنفسنا اننا قادرون على صنع شيء متفجر, وكان اهم تلك العناصر, عنصر الصوديوم.

الصوديوم, هو احد العناصر الذي اذا ما لاقى الماء فانه سيشتعل, واذا كانت هنالك كمية كبيرة فان الاشتعال سيتحول الى انفجار. الكالسيوم ايضا يتمتع بتلك الصفات التي تنطبق على الصوديوم, فهو من عائلة الصوديوم, ولكننا تركنا عائلة الصوديوم كلها وركزنا على عنصر الصوديوم فقط. هذا العنصر متواجد في كل مكان, في ملح الطعام مثلا هو مركب يحتوي على الصوديوم والكلور. فاذا اذبنا ملح الطعام فاننا نحصل على كلور ايون سالب, وصوديوم ايون موجب, ولكننا لا نحصل على العناصر صافية كما نبحث عنها. من هنا بدأت بالسعي وراء الصوديوم وكنت افشل في كل مرة الى ان وصلت لنتيجة مرضية.

بعد بحث طويل في المعادلات الكيميائية بين الاذابة والتبخر والتكاثف والتجفيف والترسب, تمكنت من الوصول الى ترسيب الصوديوم في محلول سائل, وعلى الرغم من ان هذه المعادلة كانت حبرا على ورق الا انني راجعتها عشرات المرات حتى تأكدت من انها صحيحة دون شك. لكني في النهاية تراجعت عن الفكرة وعدت الى الدراسة الجادة لتحصيل العلامات التي اطمح بالوصول اليها, الا اني من جهة أخرى تمكنت من الوصول الى الصوديوم, ولكني عدت للدراسة بعيدا عن حلم التفجيرات والتي ما زلت اجهل سبب الوصول اليها.

Mar 1, 2006

حرامي في المكتبة



في بداية السنة التحضيرية, كنت قد أعددت نفسي لأخوض تجربة جديدة لم اخض مثلها في السابق. كانت هذه التجربة, هي الضغط الدراسي بعينه, وسواء كنت ناجحا في التعامل مع هذا الضغط ام لا, فاني أيقنت ان الامر ليس بالسهولة التي يراها البعض. هذه التجربة كانت تضم ساعات طويلة من الدراسة المتواصلة, منذ الصباح الباكر وحتى بعد الغروب, حصة تلو حصة, ومحاضرة تلو أخرى, وساعة تلو ساعة, واذا بالنهار ينتهي فأصعد الحافلة لأعود الى البيت لأعد ليوم جديد.

مع كل بداية كانت التحديات تزداد, كنت أعلم اني على وشك الوقوع في المجهول في أي لحظة اتاخر فيها عن تادية واجبي باكمل وجه ممكن. ومع حرصي على العمل بشفافية, كنت قد أعددت نفسي ايضا للعمل على امور قبل ان يحين موعدها. من هذه الامور كان علي ان اقدم بحثا اكاديميا في أي موضوع يخص الشرق الاوسط او العالم الاسلامي. كنت قد اخترت ان ابحث في حرب العدوان الثلاثي على مصر, عرضت الفكرة على المحاضر, ووافق عليها وشجعني على القيام بها لا سيما اني اتحدث العربية والعبرية والانجليزية, وهذا من شانه ان يساعدني على القراءة من مصادر عديدة. البحث العميق والاكاديمي, اخذ الوقت الطويل, كان علي ان اقرا الكثير من المراجع باللغات الثلاث بينما الاخرون كانوا يقرؤون بالعبرية والانجليزية فقط.

في الجامعة العبرية, ككل الجامعات, هناك نظام شبكة آلات تصوير بالليزر عن طريق استخدام بطاقة ذكية. هذه البطاقة يتم شرائها مقابل سبعة شواقل ويتم شحنها حتى المائة شاقل كحد اقصى, وكل شاقل في الرصيد يستطيع ان يعطي ما يقارب الستة صفحات. وفي حال هذه البطاقة يمكن القول: "على قد لحافك مد رجليك". في احد الايام, بالغت في مد ارجلي, وكنت قد شحنت البطاقة لقيمة وصلت حسب تقديراتي لمئتان وخمسون صفحة كان يمكن ان استغلها. ولأني كنت حريصا على العمل على الشيء قبل أوانه فقد جمعت كل المصادر التي تطلبها البحث في قائمة, وجهزت نفسي لأصور المواد المذكورة لأباشر بالعمل على البحث.

تتكون المكتبة في الجامعة العبرية, من خمس طوابق ضخمة, وقد كان مجمل بحثي في الطابق الرابع والخامس. اول كتاب حسب قائمتي كان في الطابق الرابع, هناك اخذت الكتاب, وخرجت الى زاوية آلات التصوير, وصورت المواد وانتقلت الى الطابق الخامس. فجأة, تذكرت اني لم اخرج البطاقة من الجهاز, عدت مسرعا لأتفقد الطابق الرابع, ولكني لم اجد البطاقة. سألت من كان هناك عن بطاقتي, فقال لي احدهم انه راى شخصا كان ينتظر خلفي, وعندما انتهيت لم يبلغني باني نسيت البطاقة, وصف لي شكله, ولكن اين اجده بين الاف الاشخاص في مكتبة لا يعلو فيها صوت الشهيق والزفير. عدت الى مكان شراء البطاقات, اخبرت البائع بما جرى, فقال لي: "عفارم عليك" واشتريت واحدة جديدة ولكني لم امد رجلي كما في المرة السابقة, لأني أدركت ان الحرامي كان امامي.