Feb 21, 2006

الكعك وضريبة المحمول


من كان يظن أن المحمول هو جهاز إرسال واستقبال للمكالمات فقط؟. بل هو جهاز ترفيه شامل متكامل أصبح يوازي في خدماته, خدمات الحاسوب المحمول او حاسوب كف اليد. لكن تبعات هذا الترفيه ثقيلة نوعا ما, فالتكاليف كثيرة ولا تنحصر في استقبال المكالمات واجراء المكالمات فحسب, بل انها تتخطى حاجز الدفع مقابل تحميل الرنات المختلفة, والأغاني وتنزيل الألعاب والموسيقى والصور وارسال الرسائل القصيرة والطويلة ومقاطع الفيديو الخ. لكن هذا لم يحدث معي, وما حدث معي هو اني كنت ضمن الطلاب الذين يتمتعون بعلاقة وطيدة بين المحمول والكعكة الضريبية.


في ايام الدراسة ايام السنة التحضيرية في الجامعة, كانت تنتشر بين الطلاب ظاهرة غريبة عجيبة تنبع من استخدام المحمول والاستفادة من المحمول بأكبر شكل ممكن, الغريب اني اتبعت هذه الظاهرة واصبحت امهد الطريق لها لتنتشر وتتوسع في كل مكان اقصده. لكنها ومع كل الجهود, بقيت ضمن جدران المبنى ذاته. بدأت الظاهرة مع اول شهر من السنة التحضيرية حيث ومن غير سابق انذار, رأيت المعلمة تدخل الى الصف وفي يدها صندوق ابيض اللون, كنت متشوقا لمعرفة ما في ذلك الصندوق, لكني لم اكن فضوليا جدا, حيث اني انتظرت ساعة ونصف الساعة حتى انقضت الحصة واذا بالمعلمة تفتح الصندوق وتخرج كعكة كبيرة شهية, تطلب من الطلاب تناولها.


لم اتردد للحظة واحدة, تقدمت واخذت قطعة كعك كما فعل الاخرون لكني كنت اجهل سبب هذه الكعكة من اساسه, فتوجهت الى احد الطلاب وسألته عن سر هذه الكعكة, فقال ان هاتف المعلمة قد رن في الحصة السابقة, وكتعويض عن هذه الحادثة جاءت المعلمة بهذه الكعكة. ومنذ ذلك اليوم, وهذه الظاهرة تزداد حدة, فتبعت الكعكة قنينة من الكولا, واصبحت تنطبق على أي شخص يرن هاتفه المحمول, سواء كان طالبا او معلما. اما انا فكنت حذرا جدا من المحمول, ولحسن الحظ اني اكلت الكثير من الكعك من شتى الانواع دون ان اقع في فخ المحمول وضريبة الكعك.

Feb 11, 2006

هابي فلانتاين على حاجز قلندية


كل عام, يمر العالم بمحطات عديدة مختلفة, سياسية منها واحتماعية, متوافقة ومتناقضة في بعضها. من المحطات التي يمر بها العالم ايضا, لحظات الأعياد المشتركة, او كما احب ان اسميها, "الأيام المعولمة". هذه الايام هي عبارة عن اعياد ومناسبات مختلفة جاءت على يد افراد وتناقلتها الأمم والأجيال منذ سنوات دون البحث الكافي وراء هذه الظاهرة. في هذه الأيام المعولمة اخذ العالم العربي يحتفل بيوم الأم ويوم المرأة ويوم الحب, او كما يسميه البعض, عيد الحب, الفالنتاين.


فالنتاين هو شخص لم اعرفه الا في يوم الرابع عشر من شباط من كل عام. سمعت انه شخص محبوب لدى اقاربه وعائلته واصدقائه وعند موته, ارادوا تخليد ذكراه, فجعلوا يوم مماته ذكرى لحبهم له. سمعت رواية اخرى وهي انه كان قسا قد اعدم لانه زنى بابنة ملك ما لا اعرف من هو. ذات مرة رايت مطوية – أي كتيب صغير – يتحدث فيها شيخ عن حكم الاحتفال بهذا اليوم وانها حرام وبدع والخ. سمعت ان فالنتاين اعدم لانه اختلف مع احد الملوك في اوامر ما, هذه الاوامر كانت ضد نشر الدين اليهودي, وفالنتاين خالفها لذلك اعدم. قصص كثيرة سمعتها عن فالنتاين ولكني لا ايه لهذا الرجل فما فعله ليس الا عالة على العالم.


في هذا اليوم, تتسابق الفتيات لشراء الملابس الحمراء, وتكثر نشاطات الكبريهات والخمارات والساحات العامة في شتى انحاء العالم, تضاء الأنوار الحمراء ويجتمع العشاق حتى صبيحة اليوم التالي. في الجامعة ومع الضغط الدراسي الذي لا يوصف بالكلمات, قلما نجد مثل هذه الأجواء, فأحسد الشباب العرب في الدول العربية عندما اراهم عبر الفضائيات, منهمكين في الاحتفال بهذا اليوم. الحسد هنا ليس بسبب فالنتاين, وانما الوقت. كيف استطاع طلاب الجامعات في الدول العربية, ايجاد الوقت للاحتفال بهذا اليوم والضغط الدراسي لا يرحم احدا.


لكني اطئن لسببين, الأول هو ان هؤلاء الشباب والشابات وجدوا ما يفرحون به اخيرا, وانا كجزئ من العالم العربي افرح لفرحهم. اما السبب الثاني فهو عندما نظرت الى قائمة افضل الجامعات في العالم وجدت ان الجامعة العبرية تحتل المركز الستون وباقي جامعات اسرائيل تقبع ضمن افضل مئة جامعة على مستوى العالم, وعلى غرار ذلك فاني لم اجد سوى جامعى عربية واحدة في قائمة افضل خمسنائة جامعة وهي جامعة القاهرة والتي تاتي في المرتبة الاربعمائة وشيئ من هذا القبيل.


هذا اليوم استطاع ان يدخل الى الجامعة العبرية رغم الضغط الدراسي والوضع السياسي الصعب, وعلى الرغم من دخوله, لم يكن مؤثرا اطلاقا. حيث ان جل ما في الامر, ان لجنة الطلبة قامت بشراء الزهور وتوزيعها على الطلاب. لم احصل على زهرة لفترة طويلة, حيث اني سرعان ما تركتها على كرسي في احدى الكافيتريات. كان لي صديق يدعى ايهاب احتفظ بالزهرة التي حصل عليها واتى بها الى الصف, تركها معي وخرج ليشرب القهوة. حملت الزهرة لأشمها, واذا بالمعلمة تسألني من اين لي بهذه الزهرة الجميلة؟, لم اتردد بالاجابة فجمعت بين الرياء والسياسة, فقلت لها اني حصلت عليها كهدية على حاجز قلندية العسكري. لا أبالغ اذا قلت ان كل القاعة اهتزت لكثرة الضحك على تلك الاجابة.

Feb 1, 2006

على أبواب المحطة المركزية العنصرية


صورة من خيالي


من الخصائص التي تميز خطوط المواصلات الكبرى في اسرائيل والتي تعرف بشركة "ايجيد" أن سائقيها والموظفين العاملين فيها والقائمين عليها وحتى ركاب حافلاتها, يتمتعون بحس عنصري عميق, مما يجعل في أولويات واجباتهم الوطنية الاجتماعية والسياسية, ان يمارسوا العنصرية كما لو كانوا يستنشقونها. وأخص هنا اليهود منهم, فالعرب بشكل عام هم الضحايا في هذا المجتمع الوحشي.

خطوط المواصلات "ايجيد" هي أكبر شركة في اسرائيل وخصوصا في منطقة القدس وقد بدأت العمل في البلاد قبيل عام 1944 وقت الانتداب البريطاني في المنطقة والذي بدوره أورث هذا الانتداب لقطاع الطرق والمرتزقة وبعض العملاء العرب في الجوار. هذه الشركة لطالما تمسكت بشعار يميز تناقض مبادئها مع الجودة والخدمة التي تقدمها للزبائن. شعارها يقول: "جيد أن القيادة في يدي ايجيد" والتناقض هنا يتمثل في العنصرية التي يبديها الكثير من سائقي حافلات هذه الشركة, - وهذا لا يعني بالضرورة أن سائقي الشركات الأخريات من الملائكة - ويتمثل ايضا في ان هذه الشركة توظف سائقين من كل من هب ودب.

كما هو معروف أن الدولة العبرية جمعت على مدى العقود الماضية المهاجرين "اليهود" من كل دول العالم, ولم يبقى مكان الا وقد تسللت اليه اليد الاسرائيلية واحضار "اليهود" منه الى البلاد, سواء كان ذلك عن طريق البحر أو الجو وحتى اليابسة. هناك مثل يتداوله البعض وهو تساؤل عن أنظف دولة في العالم, الاجابة هي المغرب, لأن الحكومة الاسرائيلية قد أتت بكل القمامة الى هذا الوطن, وقد سمعتها عدة مرات وفي العربية والعبرية أيضا.

عندما أفتتحت محطة الحافلات الجديدة الواقعة في القدس, كانت هواجس الأعمال الاستشهادية تحوم فوق رؤوس القائمين على الشركة, وكانت الكوابيس تزعج المسئولين, وكانت العمليات تؤتي أكلها كل حين. فسارع المسئولون وسارعت شركات الحماية والمراقبة والحراسة وأجهزة الأمن بتركيب وتكوين مؤسسة حكومية وجهاز حكومي وذلك عن طريق خصخصة المشروع, لمراقبة محطات الحافلات وابقاء الأمن تحت السيطرة. من هذا المنطلق, أصبحت أواجه مشاكل كبيرة جدا في كل مرة أردت فيها الدخول الى المحطة المركزية للذهاب الى رصيف الحافلة التي تقلني الى قريتي, وفي كل مرة كنت أواجه نفس السؤال من نفس الشخص الى أن يأس يوما وأصبح يعرفني بمجرد النظر الى وجهي. كان شخصا أثيوبيا, وجه شاحب, وعيون صغيرة, وعمود فقري يكاد ينكسر من تاريخ مجاعة طويل رمى به الى جهنم المنطقة, وتخلى عنه القدر ليواجه مصيرا كان محتوما عليه. ولكل شخص يعيش في الخط الأخضر أو كما أسميها فلسطين المحتلة, فانه يعي تماما أن أول سؤال يوجهه الأثيوبي هو, بطاقة هوية. يا لسخرية القدر, أثيوبي هاجر الجوع على متن سفينة نتنة, هاجر الغابات وهو لا يمت لليهودية بصلة, وأحضر الى هذه البلاد المسكينة,ويسألني عن الهوية, وعن ما اذا كان مصرحا لي التواجد هناك ام اني من عرب اسرائيل.

في أيام كثيرة كنت أبقي هويتي في البيت عمدا, وأستخدم بدلا منها بطاقة الجامعة العبرية, وفي الحقيقة كنت أفعل ذلك من باب التجربة وقد شاهدت الفرق عندما كان الحارس شخصا اخر, فعندما كان الأثيوبي كنت أضيع عشرة دقائق محاولا اقناعه بأن البطاقة تنفع بدل الهوية. وفي مرة كانت حارسة مؤدبة, فعندما سألت عن الهوية, فتحت المحفظة ورأت البطاقة وعلى الرغم من أني أردت اخراج الهوية الا انها أرادت أن ترى البطاقة, ولم تسألني أي شيء مطلقا, على العكس قامت برفع حقيبتي من على الأرض وقالت لي بالعربية: مع السلامة.

مواقف وأحداث وأزمات وحروب نفسية, تمر كلها على أبواب المحطة المركزية, التي أصبحت رمزا للعنصرية ضد الأقليات. مرات كثيرة استشط غضبا على الحارس الروسي, وكاد أن يطلب لي الشرطة لكني لم ألمسه حينها وقد ساعدني ذلك على الصراخ في وجهه, لكنه كان ذكيا, فقد طلب مني أن أفتح حقيبتي ليفتشها ويضيع علي الوقت, وقد فعلها ذلك الوغد. مواقف كثيرة تجسد المعاناة العنصرية التي تحيط بالمواطن العربي في اسرائيل, وما هي الا نقطة في بحر العنصرية الاسرائيلية, وعلى كافة المستويات.