May 21, 2006

عامل التنظيف ودبلوم التجارة


تمر الأيام بسرعة رهيبة, لدرجة ان عامل التنظيف في مبنى السنة التحضيرية, والذي كان يصلي مع الطلاب في الطابق السفلي من نفس المبنى والذي كنت القي عليه السلام كل صبح, لم اعرف اسمه او حتى كنيته, كل ما كنت اعرف عنه هو انه شخص طيب وودود وكنت اناديه بألقاب مختلفة مثل "شيخنا", او "حج", وكان يتفاعل مع هذه الألقاب ولم يبدي في يوم من الأيام استغرابا من عدم معرفتنا كطلاب – نأتي الى هذا المبنى ونمكث فيه طيلة النهار وكانه موطن ثان او بيت ثان – باسمه الذي ما زلت أجهله حتى يومنا هذا.

الشيء الوحيد الذي أصر الشيخ ان يقوله لي, او الشيء الوحيد الذي عرفته عنه, وهي في الحقيقة لم يصر على ذلك وانما عرفت من خلال حديثي معه ذات يوم انه قد مر مرحلة تعليمية في حياته. ان حكمنا على شخص ما من خلال المنظر الخارجي, هو اكبر خطأ يمكن للانسان العاقل قبل الغبي ان يرتكبه, ولكن عدم التسرع هو مفتاح الحل.

خلال العام, تعرفت على اصدقاء كثر, عرب ويهود وأجانب, مسلمين ومسيحيين ودروز. هذا التعارف هو شيء طبيعي لاي شخص يتردد على مؤسسات التعليم او حتى مؤسسات عامة ولكن الامر في الجامعات له نكهة خاصة, فهذا التعرف اصبح ياخذ منحنى صداقة وزمالة, ومن الامور الغريبة ان يكون عامل التنظيف الذي يعمل في ذاك البناء قد كون له صداقات كثيرة مع اشخاص في اغلبهم عربا, كنت انا احدهم, لم تكن صداقة بمعنى الكلمة ولكنها كانت نوعا من الود بين الانسان والانسان, وكنا اغلب الوقت نتقابل في الطابق السفلي حيث جعلنا ذلك المكان غرفة للصلاة.

كان الشيخ ياتي كل صباح قبلنا بساعة تقريبا, يمر على الصفوف ليرى اذا كانت تحتاج الى تنظيف فوق التنظيف الذي قام به في اليوم السابق, وعند اقتراب الساعة الثامنة, كان الطلاب يتوافدون على المحاضرات التي تخصهم. ذات يوم وخلال محاضرة ما, خرجت الى الساحة العامة, ولا أذكر سبب خروجي بالضبط ولكني اذكر ما حدث انذاك, فقد تحدثت مع الشيخ عن المرحلة المقبلة من العام الدراسي وما الى ذلك من هذا الكلام, وجرنا الحوار الى الحديث عن الشهادات, فقال لي انه حاصل على دبلوم تجارة, سألته عن المؤسسة التعليمية, فقال انها في الأردن. منذ ذلك اليوم وانا انظر له نظرة مختلفة قليلا, فالمعادلة غير مكتملة, دبلوم تجارة مع عامل تنظيف, ولكنه في نهاية الامر حر فيما يختار وحر فيما يعمل.

May 11, 2006

مملكة الجنة في مملكة الجحيم



مملكة الجنة, هو اسم لفيلم انتظرته طويلا, وكانت لحظة العرض الأول قد تزامنت مع بعضها البعض حول العالم, فسارعت في اليوم الأول لدى نزول الفيلم لأشاهده. كانت القاعة قد امتلأت تقريبا وكان المنظر الذي انتظره هو دور غسان مسعود والذي اختارته هوليوود ليلعب دور صلاح الدين الأيوبي في هذا الفيلم, فقد قرأت عن دور غسان مسعود وأعجبت بتمثله وادائه للدور في هذا الفيلم. شاهدت الفيلم وانا مسرور للغاية وكان ذلك السرور ينبع نتيجة عكسية لتوقعات كنت خائفا منها ولكنها لحسن الحظ لم تقع.

عندما بدأت حملة الاعلانات التي اجتاحت العالم عام 2005, كانت لدي فكرة عامة عن الفيلم وعن الممثلين, وكنت قد اعجبت سابقا بالممثل اورنالدو بلوم, ليس بالمعنى العاطفي وانما بالمعنى المهني لممثل جسد ادوارا باحتراف. كما اني سعدت لأن الذي سيقوم بدور صلاح الدين هو ممثل عربي, فغسان مسعود أبهرنا في مسلسل صلاح الدين والذي لم يكن فيه صلاح الدين حينها ولكنه كان ذلك المستشار او المساعد او الأكثر تقربا لصلاح الدين الأيوبي. لكني كنت خائفا من شيء واحد وهو القصة التي تروى, فهنالك الكثير من الشكوك التي تولدت عند المشاهد العربي كنتيجة لسياسة سينما هوليوود التي غالبا لم تنصف العرب والمسلمين, وخصوصا وان القصة تركز على شجاعة اورنالدو بلوم بعدم التفريط بالقدس في بداية الأمر ولكنه سرعان ما يطرد هو والصليبيين منها. ردود افعال الصليبيين والمسليمن, تصرفات صلاح الدين, رونالدو دي شاتيون الظالم, الملك المغلوب على أمره, كل هذه الأمور كنت أظن انها ستكون كعادة سينما هوليوود, هم مساكين والاسلام متوحشون.

في الحقيقة, لا شيء يضاهي الاخراج الرائع للفيلم, الذي جسد شخصية قيادية اسلامية يتغنى بها المسلمون حتى يومنا هذا, الا وهي صلاح الدين, فكما علمنا التاريخ ان هذا الشخص كان طيب القلب وشجاعا وبطلا ومغوارا وشهما, فقد أنصفته هوليوود هذه المرة من خلال مملكة السماء, وأثبتت ان صلاح الدين الأيوبي, ليس بحاجة الى المؤرخين العرب كي ينصفوه, فكتاب هوليوود فعلوا ذلك وباحتراف.

مواقف عديدة رايت فيها صلاح الدين الأيوبي وكأنهم يقارنوه بقائد الصليبيين انذاك, فقد رأيته يبكي على الشهداء ويدفنهم بينما الصليبيين حرقوا جثث قتلاهم, في تلك اللحظة من الفلم بدأت أخرج صوتا من فمي وكأني متأسف على هذا المشهد الذي تحرق فيه الجثث ويبكي فيه صلاح الدين على الشهداء ويدفنهم على عكس الصليبيين الذين احرقوا الجثث, حيث اني كنت اقوم بذلك الصوت انا وابن عمي الذي كان برافقني, فكان الصوت يردد وبصوت عال لأن الكل كان مندهشا وصامتا. مشهد اخر أعجبني وهو عندما هدد الصليبي صلاح الدين الأيوبي زاعما انه سيهدم المسجد الأقصى اذا ما سمح له صلاح الدين بمغادرة المدينة بسلام, فبالمقابل ظهر صلاح الدين الأيوبي انه عند وعده بل اظهر ان الانسان اغلى من الحجر, فعندما اتفقا سأله الصليبي ماذا تساوي القدس, فقال لا شيء, وكل شيء. مشاهد اخرى أظهرت صلاح الدين الأيوبي بطلا طيب القلب, واظهرت شجاعة المسلمين وتقدمهم الفكري.

كان الفلم متناقضا وتوقعاتي وهذا خير مما توقعت بل هو ما اؤردت ان يكون. خرجت من القاعة وانا مسرور بهذا الفيلم, فهو أول فيلم أشاهده على الشاشة الكبيرة, ينصف شخصا مسلما. وبل قدم صلاح الدين وعلى الرغم من انه قائد اسلامي بحت, قدمه على انه عادل وصادق ويحترم الديانات الأخرى, فاخر مشهد نرى ان صلاح الدين يدخل كنيسة ما فيجد صليبا ملقى على الأرض, فيحمله ويرجعه الى مكانه على الطاولة, ما اعدل ذلك المشهد وما اروع ذلك الفيلم. بعد هذا كله, خرجت من المبنى كله وفي الطريق شاهدت المسجد الأقصى من بعيد, فتذكرت اني كنت اشاهد مملكة السماء وأني الآن في مملكة الجحيم.

May 1, 2006

إسرائيل وجبهة الصداري


غريب ذلك اليوم الذي انفجرت في صباحه ضاحكا على جملة قلتها دون ان ادرك اني اغير التاريخ بكلمة تشابه في لفظها كلمة اخرى, فالأولى هي كلمة جبهة, والثانية هي صدرية. في اللغة العبرية تلفظ كلمة جبهة بـ "حزيت" وجمعها "حزيتوت", اما صدرية فتلفظ بـ "حزيا" وجمعها "حزيوت", ومن يتحدث العبرية يدرك التقارب بين ألفاظ الكلمتان ولكن يدرك ايضا ان الفرق شاسع بين كلتاهما, فالأولى تتبع للحرب والعنف والنار, بينما الثانية تتبع للملابس الداخلية.

كان المحاضر دكتور مردخاي نيسان ياتي الى الصف قبل موعد الحصة بربع ساعة, وذلك من اجل التحدث مع الطلاب الذين يودون التحدث معه, وكان دوما يشجعني على التواصل مع طموحاتي وان لا أهملها, كما شجعني ايضا على الكتابة, فذات مرة وفي لقاء اعده ليتعرف على الطلاب, اطلعته على شغفي بالكتابة. كان مردخاي نشيط العزيمة, وطويل البال, كان يتحدث العبرية والعربية والانجليزية والفرنسية, وعندما كان يتحدث العربية كنت ابتسم لانه عربيته مضحكة نوعا ما.

كنت دوما انتهز الفرصة بعد كل محاضرة لاتحدث معه, واريه في بعض الاحيان امورا تتعلق بالشرق الاوسط والعالم العربي, وحقوق الانسان وحتى اني ذات يوم احضرت له استطلاعا اجرته الجزيرة حول خطورة القنبلة النووية, ومرة عن الوضع في العراق, ومرة عن تيسير علوني وكيف عاملته السلطات الاسبانية بوحشية وهمجية, وكان رده فعله دائما ايجابيا تجاه حرية الصحافة, فهو مطلع على التغيرات في العالم العربي ويدرك جيدا ان العالم العربي ليس بعيدا عن الدولة العبرية على الأقل جغرافيا.

ذات يوم جاء كعادته, جلس يشرب القهوة, وكانت لدي فرصة للتحدث اليه, فسالني عن الوضع وعن الضغط الدراسي والذي اصبح في تلك الأيام ياخذ وضعا حرجا جدا, فطمانته ان كل شيء يسير وفقا لما اخطط. كنا قد وصلنا في تاريخ الشرق الاوسط لحرب اكتوبر, فحدثني قليلا عما سيرويه لنا في المحاضرة, فاستخلصت ان اسرائيل كانت تحارب في جبهتين وليس جبهة واحدة, كانت الساعة الثامنة صباحا وكنت يومها افتح عيني بصعوبة لاني لم انم جيدا, والغريب في الامر اني بدل ان اقل في جبهتين قلت له في صدريتين, فضحك, فقلت له اني لست بكامل استيقاظي, فأخبرني قصة مشابهة حدثت معه, وهكذا جعلت اسرائيل تحارب في صدرية بدل جبهة, غيرت التاريخ والوقائع والحقيقة بخطأ كلامي بسيط.