Nov 21, 2006

عرفت مدير مصنع الطائرات


ليس منبع فخر ان اعرف مدير مصنع محركات الطائرات النفاثة واحد المؤسسين للمصنع الذي يختص ايضا في صناعة صواريخ باتريوت المضادة للصوارخ. وليست مجرد ايام عادية عرفت فيها شخصا لم يعرفني من قريب وانما عرف ذلك العامل الذي ياتي الى الورشة ليساعد البنائين في بناء اسوار الطوب العالية.

صيف عام 2005 عملت كعامل في البناء ليس اكثر في مصنع لمحركات الطائرات في المنطقة الصناعية في "بيت الشمس", لا أفخر بهذا الأمر فالعمل ليس عيبا طالما انه شريف, وبما اني كنت أعمل في مجال بناء الطوب فلا أعتبر هذه خطيئة أو خيانة للوطن والأمة والدين. بل اني ومن كان معي بطبيعة الحال فرضنا وجودنا وكوننا مسلمون, فلا عمل ايام الجمعة ولا ازعاج في أوقات الصلاة, وكل هذا كان يجري داخل المصنع وبالتحديد في مخزن ضخم كان في ما مضى مدرسة لهندسة الطيران لكنه تحول لاحقا الى فرن لصهر الحديد وصب المحركات وغيرها من انتاج الشركة.

قصة المدير, اني أعجبت بقوة ملاحظته وتشديده واصراره ومثابرته والتزامه بقوانينه الحكيمة. على الرغم اني اجد تناقضا بين كونه يهوديا وبين اعجابي فيه الا ان هذا ما حصل. كان يأتي كل يوم الى العمل ويبدأ باكرا في تمام الساعة السادسة صباحا كل يوم, حتى قبل مجيء عمال المصنع, وكان ينهي دوامه الساعة الخامسة مساءٌ, كان يراقب كل شيء ويدقق في كل شيء حتى انه كان يفهم في مجال البناء اكثر مني, وكان يطلب هدم حائط بأكمله ان وجد فيه اعوجاجا ولو بسيطا. عرفنا على نفسه انه المدير العام للمصنع وانه من مؤسسيه, بحثت في الانترنت عنه ووجدت انه رجل ناجح في عمله الى اقصى الحدود.

يمكننا القول ان "ابنير شاحام" مهم في دولته, فهو صاحب مصنع يدحرج ملايين الدولارات كل شهر ويعقد صفقات مع دول مثل تركيا وغيرها لتقديم خدماته لهن. ذات يوم رايت اهتمام الرجل بنوع السراميك الذي احضره المتعهد كمثال على السيراميك الذي سيكون في الحمام, فلم يوافق عليه مدير المصنع, عندما سالت المتعهد قال ضاحكا ان سبب رفض المدير هو ان ذاك النوع من السراميك يلتقط الاوساخ بسرعة. كيف لمدير بهذه الاهمية التعمق الى هذه التفاصيل التافهة, ولكني حينها عرفت لماذا يقف رجل مثل هذا في منصب مثل هذا, لانه لم يحضر الى هنا بواسطة قريب له او بواسطة رشاوى.

هذا الرجل, صنع مركزه بارادته وبقدراته الشخصية وبمثابرته. ولم يود لعائلة غنية لديها نفوذ او ما شابه او عائلة تمتلك ابار نفط في النقب, بل رجل عادي قرر ان يكون رجلا ناجحا في المجتمع, وهذا بالفعل ما حدث. لم يعرفني "ابنير شاحام" عن عمق, لكنه كان يطلب مني باستمرار تنظيف الطين المتناثر وعدم الاكثار من الفوضى في المكان ليكون العمل اسهل بالنسبة لي.

Nov 11, 2006

حفلة التخرج لحظة قذرة


كم اكره هذا اليوم. كم هو قذر وحقير ودنيء, حقا انه حقير, ليس يوم تخرج كما كان يجب ان يكون بالمعنى الحرفي للكلمة بل كان مجرد توثيق لان ايام المدرسة قد انتهت بالفعل. انه يوم من احقر الايام التي مرت علي, بل انه الاحقر. لم اكن اتوقع يوما ان اصف يوما بهذه الاوصاف, لكن الضرورة اقتضت ان اطلق عليه هذه الاوصاف التي تشرح نظرتي ليوم التخرج من المدرسة.

قبل هذا اليوم بأشهر فكرت كثيرا بهذا اليوم, لعل افضل حل لتفادي الشعور به هو عدم حضوره كما فعل بعض الطلاب وهم قليلون لكنهم فكروا بطريقة صحيحة. وعلى الرغم من ذلك حضرت حفلة التخرج وفعلت كما طلب منا ان نفعل, ان نسطف وننزل الدرج وان نجلس على طرفي القاعة. كنت اتمنى ان يسير الوقت بسرعة, وهكذا كان حقا, فلم اشعر بالوقت يمضي حتى رايت نفسي اجلس في حافلة تأخذنا الى مطعم لكي نكمل هنالك حفلة التخرج.

الحقارة والقرف والبذاءة لم تكن مجرد مواصفات لهذا اليوم على اعتبار انه يوم فراق بين الاصداق ونهاية لايام المدرسة فحسب, بل ان هذه الاوصاف اطلقها على هذا اليوم كونه يوما منافقا ايضا. فقد حضر الحفل بعض الرعاع والمشردين ممن لم يجلسوا على كرسي الدراسة يوما واحدا, بل وبدوا وكانهم من الحاصليين على اعلى العلامات والتحصيل العلمي, ولبسوا الزي الموحد بل واستلموا شهاداتهم وقد التقطوا صورا مع المدير.

لاحقا بعد انقضاء اشهر سمعنا بجريمة فعلها احدهم, وسرقة قام بها اخر, وحقير اخر قام بأفعال مخلة بالاداب. المصيبة اني كلما شاهدت الحفلة على التلفاز ارى تلك الوجوه وارى التخلف بذروته عندما ارى اؤلائك الحثالة, فأسب يوم التخرج وحفلة التخرج ولحظة التخرج فما أحقر ذاك اليوم وما أحقر ما رأيت فيه.

Nov 1, 2006

عروة والحديث بالعامية


في السنة التحضيرية في الجامعة العبرية, تعرفت على شباب من شتى قرى ومدن الخط الاخضر. من بينهم كان عروة, شاب من باقة الغربية, طيب مؤدب ومجتهد ولكن لديه مشكلة معي فيما يتعلق باللهجة العامية. قديما لم اكن اعلم ان هنالك فروق في اللهجة العامية بين قريتي وباقي قرى ومدن فلسطين كلها, على الاقل ولو كانت اختلافات بسيطة.

الظاهر اني لم اكن متعمقا في اختلاف اللهجات الا عندما اختلطت في من يسكن بعيدا عن ضواحي القدس. هنالك حقا امر معقد, لدرجة ان احد اللذين تعرفت اليهم وهو من سكان المثلث, قال لي ذات مرة انني بلهجتي العامية وكاني اتكلم بلغة غريبة. الاختلاف لا يكمن في الاسماء المختلفة للاشياء فقط, بل يتعدى حدودا لم اكن اعرف انها ستشكل تعقيدا لي طوال الفترة التي عرفت فيها عروة.

كنت اتحدث مع عروة في امور كثيرة, وكان الحديث بالنسبة لي كالمعادلة الرياضية. فمقابل كل عشر كلمات انطق بها كان عروة يستخرج اثنى عشر كلمة خاطئة من كلماتي العشرة, وهكذا. ذات يوم احضرت احد اقريائي الى غرفة عروة وشريكه مؤنس في السكن الجامعي, وقد اعد لنا عروة الشاي, وبينما هو يرفع الابريق عن النار سالنا اذا كنا نريد ان يضع لنا في الشاي نوعا من العشب حتى الان اجهل اسمه, ثارت شكوك قريبي لكن سرعان ما قلت له ان هذه عشبة "مرمية" في لهجتنا. هكذا شكل اختلاف اللهجة سوء فهم بين العشبة التي اطلق عليها اسم مختلف عن الذي ندعوها به.

عروة كان مصححي اللغوي طيلة السنة التحضيرية, وكان بمثابة قاموس علي ان ارجع له في كل كلمة اشك بها. لكن عروة كان صديقا طيبا حتى ولو انه كان احدى اسباب تغير لهجتي الأصلية.