Feb 28, 2011

روبين عميتاي يتحدث عن ثورات الشرق الأوسط

في لقاء عابر في ساحة الجامعة العبرية بالقدس, كنت أسأل فيه البروفيسور روبين عيمتاي عن موعد صدور علامات إمتحان الشرق الاوسط لهذا الفصل, إمتدت الأسئلة لتخرج عن نطاق التعليم لتصل الى رأيه كبروفيسور لعلوم الشرق الأوسط في الأوسط عينه.
خطرت لي فكرة أن احول هذه الأسئلة الى تدوينة لا سيما ان الشخص ليس ببعيد عن مجال الثورات والحروب والانقلابات عبر التاريخ.
حول تونس والتونسيين, كان موقف عميتاي كما هو حول ما حدث في مصر, جدير بالذكر ان الحديث كان بعد تنحي حسني مبارك عن الحكم. في الشأن التونسي أشار لي ان الكبت والفساد هما عنصران أديا الى اضمحلال الامور كما حدث في مصر تماما, حال الشعب التي يرثى لها, إزدياد الفساد, والمواقف السياسية المنحازة الى مشروع أمريكي بحت ادت الى أن تثور الشعوب.
وصفه للثورات كان بشكل الوصف العام لتحركات تنبع من الشارع العربي, ثورات تتصف وكأنها عجلة التاريخ الذي يعود على نفسه, أشر لي أيضا انه ليس بمتفاجئ بما حدث في تونس ومصر نسبة لما قد وصل اليه العالم العربي من فساد سياسي وإقتصادي.
عن سؤال حول توقعاته بما يخبئ المستقبل من ثورات قادمة وخصوصا في دول مجاورة لإسرائيل كالأردن فكانت اجابته غير مبشرة, حيث أنه شرح لي موقف الأردن والشعب الأردني وتركيبته التي من الصعب جدا أن تنجر في صفوف الثورات, خصوصا ان المملكة بنيت على التركيبة السكانية المعقدة, لكنه قال ان حدثت ثورة في الأردن فلن يكون مستغربا أبدا. أما في ما يحدث من دول كالجزائر والمغرب والبحرين وليبيا فإنها بلا شك تلك دول قد إستوعبت عدوى تونس ومصر.
في ما يتعلق بالوضع الداخلي لعرب الخط الأخضر فقد أشار الى ان الأمر ليس بمستحيل حتى في داخل اسرائيل ذاتها, طالما ان هنالك احداث تثير الأقليات وخصوصا المواطنون العرب في الداخل, فإن حدوث ثورة ضد النظام الإسرائيلي ليس بامر مستبعد, وان حدث فلن يكون متفاجأً

Aug 28, 2010

بأي حال عدت يا رمضان


شهر التوبة والمغفرة, شهر الرحمة والعطاء, شهر الطاعات, شهر به ليلة هي خير من ألف شهر. شهر رمضان غني عن التعريف, وفوق كل وصف روحاني. هذا العام يهل علينا رمضان في حر الصيف ليصبح أكثر صعوبة ومتعة, وليكون الصيام فيه جهاداً بحد ذاته.
في الماضي وقبل عدة أعوام كان الصيام أيسر نوعاً ما وذلك بسبب مدة النهار, لكن هذا العام فإن النهار آخذ بالاطالة ناهيك عن حر الصيف الذي يحول الحنجرة الى صحراء قحطاء. لكن هذا بحد ذاته متعة, ليس بمعنى أننا نلهو في هذه المتعة وإنما حقا نشعر بفرحة الإفطار والصبر لما يقارب الاربع عشرة ساعة من الصيام.
لرمضان نكهة خاصة, نشعر بها كلما اقترب موعد آذان المغرب, نلتف حلو المائدة, نراقب الساعة, وعلى الأغلب هنالك من ينتظر سماع الآذان سواءا كان ذلك من خلال مكبرات الصوت في المسجد القريب أو من خلال محطات التلفزة والإذاعة.
هذه النكهة آخذة في التلاشي, أو لنقل أنها تسير في سبيل آخر, فالسواد الأعظم من الصائمين يراقبون الساعة لا المؤذن. كم كنت في الماضي أتوق وأنتظر سماع المرحوم أبو جرير وهو يكرر جملته المحبوبة :" يرفع على مسامعكم آذان المغرب". لكن هذا العام لا حاجة لسماع الآذان من خلال إذاعة الراديو, فلم يعد أبو جرير موجودا, والحقيقة أن لا أحد من مذيعي صوت إسرائيل يستطيع ملء الفراغ الذي تركه المرحوم, حبذا لو كنت أسجل تلك المقتطفات وتلك الأدعية لأسمعها في رمضان.
ما أشبه اليوم بالأمس, وما أشبه العام بالعام الماضي وقبله بثلاثة أعوام. الحديث هنا عن مسلسلات رمضان التي لا تنتهي, وطبعا فإن الحديث عنها يكاد لا ينتهي أيضا, سآخذ هنا عينة من تلك الظواهر التي تثير الاستفزاز.
قبل رمضان كنت أتحدث مع بعض الأصدقاء حول رمضان وكيف سأرتب برنامجي, من حيث العمل والصيام وصلاة التراويح وما الى هنالك من أمور تتعلق بالشهر الكريم. أخذنا الحديث لنتحاول حول المسلسلات الرمضانية, في الحقيقة أني لا أتابع أيا منها لعدة أسباب, أهمها أنه شهر عبادة لا شهر عروض تلفزيونية, السبب الثاني هو عدم رغبتي في التعلق بأحداث مسلسل ما ليشغل تفكيري طول الشهر وبعد العيد وخصوصا عندما تكون المعدة فارغة فمن السهل على المشاعر أن تتأثر بالأحداث المعروضة على الشاشة. والسبب الأكثر شرعية هو أني أرفض أن أكون خروفا مثل باقي الخراف.
المقصود بالخروف هو أن أسير في قطيع من الخراف حيثما يسيرون دون أن يكون لي الرأي الحر بإختيار المنتوج الذي يناسب متطلباتي ورغباتي الترفيهية, كثير من الذين أعرفهم يسارعون في انهاء صلاة التراويح وحتى أنهم يقتصرون على صلاة العشاء فقط من أجل التفرغ لمسلسل "باب الحارة", تلك الاسطوانة المشروخة التي أكل عليها الدهر وشرب.
لست بصدد الحديث عن مسلسلات إباحية كتلك التي تزوجت خمسة أشخاص, "زهرة وأزواجها الخمسة" ولست بصدد مناقشة مسلسل تاريخي مليء بالأخطاء التاريخية "الجماعة" ولن أتحدث عن مسلسل يصلح لفيلم مدته ساعتان لا شهر كامل "العار", بل سأكون واضحا ومقتصرا بالحديث عن باب الحارة. هذا المسلسل يبث للسنة الخامسة على التوالي, أحداث مكررة, شخصيات عنترية, والمصيبة أن السواد الأعظم من مشاهديه يعانون من نقص معين فجاء المسلسل ليعوض بعضا من هذا النقص, ولا أستثني أحداً منهم!!.
أزعجت ذلك اليوم, وأصبت بتوعك في بطني عندما إنفض لقائي مع بعض الأصدقاء لأن أحدهم لا يستطيع أن يصبر أكثر فهنالك ما هو أهم من حديث الأصدقاء الذين لم يلتقوا سوية لأكثر من أسبوعان, فهنالك "باب الحارة". لم يكن بيدي شيء لأصنعه, سوى أن أعتبر ذلك عملا أحمقا ينمو عن تفاهة وسفاهة, لم يكن أمامي سوى اعادة النظر في قراراتي بشأن المسلسل, فهنالك ثغرة لم أفهمها, أو بالأحرى هنالك ظاهرة لم أفهمها رغم أني أعيشها مع بعض الناس.
قبل أيام كنت قد رافقت بعض الأصدقاء أيضا الى المقهى, كنت عائدا من العمل وأرتد أن أجلس معهم, واذا بهم يصطحبوني الى المقهى, جلست هناك ولاحظت التواجد الكبير لشريحة الشباب القادمين الى المقهى, كانت هنالك شاشة كبيرة يعرض عليها مسلسل باب الحارة, أضطررت لأن أشاهد الحلقة معهم. أصابني شعور لا يوصف, هل هو شفقة؟, هل هو غضب ما؟, هل هو اشمئزاز؟, في الحقيقة كان من الصعب علي أن أتقبل أيا من هذه التفسيرات سوى تفسير واحد, هو أن ذلك الشعور كان عبارة عن تلخيص لحالة المشاهدين هناك .. حالة تخلف جماعي!!!.
ما المضحك؟, وما المبكي؟, ومن هو ذلك الأخرق الذي يسمى "عقيد", وما هذه السذاجة بأن يصرخ ذلك العطار على نسائه ويعيدهن الى بيوت أهلهن, وكأنه بذلك أثبت رجولته. المصيبة أن المشاهدين كانوا آذان صاغية, يبكون لأم جوزيف, ويفخرون لرؤية "معتز" ويشتمون"أبو شوكت, أبو جودت, أبو لا يهم", أهذا هو الشغل الشاغل في رمضان, أهذا هو مستوى التفكير لديهم؟, أهكذا تكون تزكية الصيام؟!!.
نقطة أخرى تتلعق بباب الحارة نفسه, ان كانت هذه هي حال الأمة آنذاك, وكان الأجداد يعلمون الآباء والأبناء حب الكبير واحترام الوطن والدين, وأن يكون "رجلا" في بيته وأمام زوجته, فما الذي جعل الإستعمار يستفحل بنا طوال هذه المدة؟ وما السر عند عصبة من المهاجرين "اليهود" الذي جعلهم ينتصرون على "رجال" الشام البواسل؟!.
العيب ليس في مؤلف المسلسل وليس في المنتج والمخرج وباقي الفرقة العاملة عليه, فهم في نهاية الأمر يقومون بعمل ربحي تجاري بحت, بل العيب فيمن يسير كالأعمى لمشاهدة المسلسل وتناسى أنه مجرد عرض تلفزيوني عابر, العيب فيمن ترك الصلاة وذهب مسرعا الى متابعة المسلسل, العيب فيمن لا يصوم ولا يصلي ولكن يواظب على المشاهدة, بل ويعتبر نفسه إحدى الشخصيات العنترية هناك.
كما هي الحال كل عام فهذا العام لا بد وأن نشير الإنتباه الى النفاق الحاصل في رمضان, ففي بداية الشهر لاحظت الحضور الكثيف الى المسجد الأقصى لأداء صلاة التراويح, كنت أدرك أن توقعاتي ستصيب, وهذا ما حصل بالفعل, فقد تلاشى الحضور يوما بعد يوم, حتى أصبحت أقرب في كل يوم الى الإمام, وتعود الحركة قوية في السادس والعشرين من الشهر, اي ليلة السابع والعشرين أي ليلة القدر, ومن ثم سيكون المسجد الأقصى خاليا حتى إشعار آخر.
رمضان ليس شهر لطلب المأكولات الخاصة, وليس شهرا للنوم, أو أخذ إجازة من العمل, بل هو شهر العمل بحد ذاته وإلا فكيف لنا أن نشعر بالصيام؟!. رمضان شهر الخير, شهر العمل الصالح, شهر القرآن وشهر التوبة والمغفرة والإحسان, ديننا دين حنيف وعريق, فلنعش تعاليمه وقيمه, ولنكن خير أمة أرسلت للناس, ولنجعل من رمضان شهر طاعة وعبادة لا شهر سهرات وحفلات ومسلسلات, لنتذكر دوما أن لنا العمل في الدنيا وثواباً في الآخرة.

Feb 10, 2010

عجمي, كركر والأوسكار


لطالما كانت لدي علامات استفهام حول ما يدور وراء كواليس صناعة الأفلام في العالم العربي, وخصوصا في السينما المصرية, لكني لم أكن أبدي اهتماما في ما يدور في السينما الإسرائيلية رغم أنها مليئة بقضايا تستحق الجدال والنقاش. السينما الإسرائيلية تعالج الواقع الذي نعيشه بموضوعية أكثر الأفلام العربية الأخيرة. قصص الحب والغرام والانتقام غير متواجدة بذلك الزخم الذي تعاني منه أفلام العالم العربي. كثيرا ما أشعر بالغثيان عند مشاهدتي لشخص يحرك شفتاه ويصدر أصواتا غريبة ظنا منه أن ذلك يضحك المشاهد, وهو في الواقع بكاء المشاهد على هذا الشخص الذي وصل به حال التخلف إلى هذه الدرجة المتدنية.
في السينما الإسرائيلية, يأخذون العمل السينمائي على محمل الجد, يسيرون وفق شعار واحد أوحد ألا وهو احترام عقل المشاهد. إن عدم احترام عقل المشاهد يشكل نقطة فراغ بين ما هو معروض على الشاشة وما يجب على المشاهد أن يصدق. أما في السينما العربية فحدث ولا حرج.
السينما كما في كل الحضارات, هي ثقافة بحد ذاتها, ومرآة للجمهور المشاهد تعكس همومه وقضاياه وتعكس حياته كلها لتعرض على الشاشة الكبيرة. لطالما كانت شاشة السينما أداة تعبير عن الرأي العام, فشكلت الأزمات السياسية, وشكلت الرأي العام المناهض لظواهر عديدة. لكنها في عالمنا العربي أسقطت وضربت تقاليدها وأعرافها عرض الحائط, لتؤول بنا الحال إلى أن نرى أشخاص مثل "الممثل" محمد سعد, ينقل لنا في كل دور يقوم به شخصية رجل هارب من مستشفى الأمراض العقلية أمام عدسات الكاميرا.
الغريب والمؤسف والمبكي أحيانا كثيرة, هو الإقبال على هذه الأفلام خصوصا شريحة الشباب "المتعلم" ما الذي حدث؟ كيف لهذا الشخص وهذه الزوبعة من التخلف أن تؤدي بشبابنا المثقف أن يرى ويشاهد بل ويتابع هذا النوع من التخلف العلني؟. أعذروني إن بالغت, فالسينما بالنسبة لي خط أحمر. أنا لا ألوم محمد سعد في هذه القضية, بل هو شخص رأى أن هذا النوع من التخلف العلني يعود عليه بالربح الوفير, "والشهرة" الواسعة.
على الرغم من سياستها القمعية, وممارسة العنصرية الفردية, إسرائيل تتقدم كل عام خطوات كبيرة في صناعة السينما, حتى أن بعض الأفلام تعرض العنصرية بصورة واضحة, وأحيانا تلبس دورا كوميديا مضحكا يزج المشاهد في زوايا التفكير, لكنها لا تتراجع عن شعارها, احترام عقل المشاهد. وهذا ما جعل الأفلام الإسرائيلية الأخيرة, تطير إلى لوس أنجليس ولتترشح لجوائز أوسكار, هناك يستحيل أن نرى محمد سعد ومحمد هنيدي وباقي "الممثلين" من تلك العينة.
في السنة الثالثة على التوالي, يرشح فيلم إسرائيلي, لنيل جائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي. هذا العام كان من نصيب فيلم عجمي من إخراج اسكندر قبطي ويارون شاني, وبطولة باقة من أبناء مدينة يافا. الفيلم عبارة عن أربع قصص تدور في آن واحد في يافا. لن أستطيع أن أعبر عن مدى انبهاري وإعجابي في الفيلم, لكني سأقول عنه انه يستحق حقا أن يصل إلى الأوسكار.
لم يناقش عجمي قصة أب مليونير لا يعرف كيف يحمي أمواله أو ابنته التي تحب شابا فقيرا, ولم يناقش قصة شاب فقير يغني فيصبح نجما لامعا, ولم يناقش قصة فتاة تزوجت زواجا عرفيا, كما يحدث عند معظم الأفلام العربية, بل ناقش الواقع ولنكن واضحين أكثر, قام بنقل الواقع إلى الشاشة الكبيرة. أسلوب سرد حضاري, وقصة من عمق الواقعية. المثير في الأمر أن اسكندر قبطي أراد "يافاويين" أي أبناء يافا ولم يبحث عن ممثلين محترفين, هذا ما جعل الفيلم واقعيا بحتا.
هكذا إذن هي حال السينما العربية, أو بعض منها. وهكذا اختار اسكندر قبطي أن يعبر عن بعض واقع المجتمع العربي في إسرائيل, فكان الأوسكار ثمرة عمله وإبداعه والأهم من ذلك, أن الأوسكار كان بمثابة رسالة له ولطاقم الفيلم لسبب يبدو بسيطا ألا وهو احترام عقل المشاهد.