Apr 21, 2006

إيريز ونظرية الأقنعة


ايريز شخص اسرائيلي من الطراز الأول, ويكاد يكون نموذجا حيا للمواطن الاسرائيلي بتفاعلاته وسلوكه وتصرفاته, فهو يهودي من القدس, خدم في الجيش, وجاء ليتعلم في الجامعة العبرية عاما قبل ان يبدأ دراساته العليا في الكلية التي اختارها لاحقا. ايريز كأي اسرائيل عادي, يعمم بين الارهاب الدولي والاسلام, ولا يفرق بين الجماعات المتخلفة كتنظيم بن لادن وغيره التي تدعوا نفسها اسلامية, والاسلام منها براء. ولعل هذا التعميم جاء اثر تكدس الاعمال الارهابية التي راح ضحيتها الكثير من الابرياء, ولكن على أي حال فان ايريز ما هو الا شخص يعتبر تلك الجماعات, جماعات ارهابية.

كان لي مع ايريز حديث ذات يوم عن الجماعات التي تدعي الاسلام منهجا لها, حيث اني وضحت له ان تلك الجماعات لا تمثل سوى من فيها من اشخاص, وبالطبع ليست كل تلك الجماعات مثل بعضها, فهنالك جماعات منظمة تسير وفق مصالح المسلمين وحرياتهم, وهناك جماعات تسير وفق مصالح شخصية واهداف مشبوهة, وفي النهاية فان كل العالم يتقنع بأقنعة لا تعد ولا تحصى. اما ايريز فقد قال لي ذات مرة اني شخص طيب وانه يفضل الحديث معي واني باختصار شخص جيد, لم يكن ردي كالمعتاد, فبعد ان شكرته على المديح, بدأت معه نقاش حول الأقنعة, وان كل الحقيقة دائما صعبة.

هناك مثل بالعبرية يقول انه ليس كل شيء يلمع فهو ذهب. هذا المثل الشعبي المتداول كثيرا بين الشعب الاسرائيلي, خير مثال على نظريتي للأقنعة التي تحدثت مع ايريز عنها. ايريز وصفني بأني شخص جيد ولكني وعلى الرغم من هذه الحقيقة, اخبرته ان كل العالم أقنعة فبات يقتنع بتلك الفكرة, وأذكر ذات مرة انه دعاني شخص الأقنعة. ولكن في الحقيقة ان كل شيء قاله عني ما هو الا حقيقة في حقيقة, فأنا شخص جيد وطيب على حد قوله.

تجربة الأقنعة الحقيقية شهدتها عندما كنت في احدى الامتحانات والتي كان ايريز معي في ذات القاعة, كان امتحان رياضيات. المعلمة والتي قدمت من روسيا, كانت تؤلف اسئلة صعبة جدا في الرياضايت, وبغض النظر عن اذا كنت احل تلك الاسئلة ام لا, الا ان ذاك الامتحان كان يجمع ما بين النظرية والتطبيق. وصدق من قال ان النظرية شيء والتطبيق شيء اخر. كان الامتحان مليئا بالجذور, تلك الجذور التي لا يحبها احد, ولا يطيقها أحد.

ايريز شخص بالغ, في العشرينيات من عمره, انهى الجيش ولديه طموحات عديدة في الخوض في السياسة الاسرائيلية, لديه جسم رياضي وصديقة. كنت قد دخلت الى القاعة وجلست انتظر ان احصل على ورقة الامتحان, بعد ربع ساعة, وبعد ان إطلع الجميع على أسئلة الامتحان, اصابنا نوع من الخوف من عدم النجاح فيه. لاحقا حصلت على اعلى من تسعين ولكن في الامتحان رأيت كيف ان نظرية الأقنعة تنطبق في ذاك الامتحان ولكن بالعكس, فرأيت بعض البنات وليسوا كلهن يبكين بسبب الجذور, ولكن الغريب اني رايت ايريز يبكي وبشدة, اعدت النظر جيدا ولم اصدق نفسي, ولكن ادركت ان النظرية شيء والتطبيق شيئ اخر.

Apr 11, 2006

نحن قوم يحترم النساء



ذات يوم خرجت من الجامعة متعبا جدا, على عجلة لأصل الى البيت في أسرع وقت ممكن. كنت قد قصدت الحافلة التي توصلني من الجامعة الى المحطة المركزية, حيث كانت هذه الفقرة تأخذ من الوقت ما يقارب النصف ساعة. وعلى عجلة من أمري أيضا, دخلت الى المحطة المركزية, بعد نقاش طويل مع الحارس الزنجي هناك حتى ابتعد عني ووجد أنه لا جدوى من تأخيري أكثر مما قد تأخرت بسببه.

على الأبواب الكبيرة الواسعة, وعلى منظر خلال للغروب يشق طريقه لينتقل من القدس الى المناطق التي تقبع غرب القدس, كنت انا أعاني على أبواب المحطة المركزية, بين اخراج هوية لأثبت لذلك الأثيوبي أني "لا" أشكل خطرا على حياته وحياة من حوله. كنت قد دخلت الى المحطة مطمئنا بعض الشيء الى أن صادفت موقفا غريبا نوعا ما, وقد حدثت زملائي وأصدقائي عنه في اليوم التالي.

بعد أن سرت حوالي عشرة أمتار مبتعدا عن الحراس, توجهت الي فتاة روسية, جميلة الوجه. كانت قد أستوقفتني, فوقفت, فطلبت مني قطع نقدية لتصل الى بيتها. أذكر انها سردت لي قصة ما, ولكني لم أصغ للقصة بقدر ما حدقت في أعينها المتعبتين, واذا بي أخرجت خمسون شاقلا, فأخذتهم وقامت باعطائهم لأحد الباعة فأعاد اليها المال بين ورقتا عشرين شاقلا, وعشرة شواقل. فأخذت العشرة, وأعطتني الأربعين. شكرتني, فعفوتها وذهبت دون أن أحفظ ملامحها. في اليوم التالي أخبرت أصدقائي بالقصة, منهم من أبدى اعجابه, ومنهم من استغرب ذلك الموقف مدعيا أنه لو كان مكان الفتاة لما ساعدته, ولكني في النهاية قلت لهم, أننا قوم يحترم النساء.

Apr 1, 2006

عماد الدين زنكي أم زنجي


عندما تشرق الشمس من الشرق, فلا شك انها ستعود لتغرب من الغرب. تلك النظرية يصح القول عنها انها طبيعية, وقد فهمها الانسان دون اللجوء الى دفع المليارات من الدولارات لتوقع ما سيحدث. اما عندما تتكدس الغيوم فوق منطقة ما, فانها حتما تاخذ وضعية الغيوم التي ستهطل الامطار منها, ولكن ليس بشكل اكيد وواضح, فكثيرا ما تكون تلك الغيوم, غيوما صيفية تكونت نتيجة لارتفاع الحرارة العالية التي تبخر الماء وتحوله الى بخار والذي بدوره يتحول الى غيوم من جديد.

التاريخ الذي نتعلمه وندرسه في المدارس والجامعات اصبح كالغيوم في النظرية السابقة, فمع تقدم الحضارات وسهولة التواصل في ما بينها جغرافيا, اخذت تؤثر على بعضها بشكل كبير جدا مما ادى الى تغير التوقعات وهطول الامطار في الصيف بدل الشتاء, وان كان ذلك مجرد كلام على ورق. التاريخ الاسلامي حظي بحصة كبيرة من هذه اللامبالاة وهذا التغيير الذي انعكس بدوره على التاريخ الذي نعيشه اليوم والذي نتعلمه.

كلمة "حشيش" في اللغة العربية كانت في قديم الزمان تجسد تلك الجماعات التي حاولت قتل صلاح الدين الايوبي, حيث كانوا اتباع هذه الجماعات يسمون بالحشاشة. هذه الكلمة انتقلت الى الغرب عن طريق رحالة ايطالي, وفي الغرب استخدمت للدلالة على الجريمة, فأصبحت تسمى "أسيس" وتحولت الى مصطلح اغتيال "أسيسياشن". أي ان اصل الكلمة هو عربي. هذه احدى الكلمات التي عبرت بين الحضارات واخذت معان كثيرة تدل على الجريمة. اما في التاريخ المعاصر, فان الحال تغير واصبح الشرق ينقل عن الغرب. قديما كان التاريخ يكتب على يد اصحاب الشأن, فالمسلمون كتبوا تاريخهم واثر ذلك التاريخ على الحضارات المحيطة بهم, وكلمة حشيش خير دليل على ذلك, اما اليوم فالتاريخ يستمد مصداقيته وفق ما يتناسب مع الغرب.

في احدى حصص التاريخ الاسلامي والشرق الاوسط, تطرق الدكتور مردخاي نيسان الى حقبة صلاح الدين الأيوبي, فقد اثنى عليه وعلمنا كيف استطاع ان يوحد العرب والمسلمين في وجه الصليبيين, وكيف اعاد القدس بعد اكثر من مئة عام على احتلاله من قبل الصليبيين. كانت تلك الحقبة مثيرة للجدل, فقد علمنا مردخاي ان صلاح الدين بايع عماد الدين زنكي في حين ان ابا صلاح الدين تحدث مع ابنه على انفراد بان مصر ستكون لبني ايوب. وعلى الرغم من اني وجدت تناقضا بين ما يعلمني اياه مردخاي وبين ما يروى في التاريخ العربي والاسلامي, الا اني وجدت اغرب شيء هو الاسماء التي لطالما كنت انا – العربي الوحيد – اصححها. فبدل خالد بين الوليد كان يكتب الوليد بن خالد, وعندما صححت له ذاك الاسم, قال ضاحكا, هل غير اسمه؟.

كذلك الأمر مع عماد الدين ونور الدين زنكي, فبدل زنكي قال لنا مردخاي ان اسمه عماد الدين زنجي. على الفور رفعت يدي مطالبا كالعادة بتصحيح الاسم, ولكنه هذه المرة قام بتصحيحي انا وذلك ان اسم هذا الشخص هو زنجي وليس زنكي. كان مردخاي يحمل معه "الدليل" وهو ان اسم زنجي مكتوب في الموسوعة الاسلامية وليس خطئا منه. وطلب مني كتابة الاسم بالعربية لكي يبحث الأمر. بعد انتهاء الحصة, ذهبت الى المكتبة ذات الطوابق الخمسة باحثا عن الموسوعة الاسلامية, وهي موسوعة تكتب بالانجليزية. وعندما وجدتها كانت للاسف في صف مردخاي. في الحصة التالي, عاد مردخاي الى الصف ومعه اخبارا جديدة, فقد اخبرنا انه بحث في المصادر العربية هذه المرة, ووجد ان اسمه زنكي وليس زنجي, ولكنه اصر على تسميته زنجي وذلك وفقا لمصداقية المصادر والمراجع الانجليزية, على الرغم من ثبوت صحة كلامي وفق المصادر العربية. وما زلت اتسائل عن هذه الحقيقة الغامضة في التاريخ, اذ اصبح التاريخ الاسلامي يمر تحت رقابة الغرب والمستشرقين.

لم يكن مردخاي نيسان مذنبا حين سماه زنجي فهكذا تسميه مصادر الغرب في الموسوعة الاسلامية التي هي المصدر الأكثر مصداقية للمتحدثين بالانجليزية وغير الانجليزية, ولم اكن انا مذنبا في هذا الشأن, فلطالما عرفته زنكيا وليس زنجيا, كما ان زنجي لها معنى معروف وهذا المعنى لا ينطبق على زعيم بحجم عماد الدين ونور الدين. ولكن المذنب الوحيد هو الزمن الذي جعل تاريخ المسلمين محطة لا تمر دون ان يوافق عليها الغرب ويعدل فيها كما يشاء ويضيف اليها ما يشاء وينقص منها ما يشاء ويمسح منها ما يشاء, لكني على الرغم من ذلك سأسميه عماد الدين زنكي.. ونص.