عندما تشرق الشمس من الشرق, فلا شك انها ستعود لتغرب من الغرب. تلك النظرية يصح القول عنها انها طبيعية, وقد فهمها الانسان دون اللجوء الى دفع المليارات من الدولارات لتوقع ما سيحدث. اما عندما تتكدس الغيوم فوق منطقة ما, فانها حتما تاخذ وضعية الغيوم التي ستهطل الامطار منها, ولكن ليس بشكل اكيد وواضح, فكثيرا ما تكون تلك الغيوم, غيوما صيفية تكونت نتيجة لارتفاع الحرارة العالية التي تبخر الماء وتحوله الى بخار والذي بدوره يتحول الى غيوم من جديد.
التاريخ الذي نتعلمه وندرسه في المدارس والجامعات اصبح كالغيوم في النظرية السابقة, فمع تقدم الحضارات وسهولة التواصل في ما بينها جغرافيا, اخذت تؤثر على بعضها بشكل كبير جدا مما ادى الى تغير التوقعات وهطول الامطار في الصيف بدل الشتاء, وان كان ذلك مجرد كلام على ورق. التاريخ الاسلامي حظي بحصة كبيرة من هذه اللامبالاة وهذا التغيير الذي انعكس بدوره على التاريخ الذي نعيشه اليوم والذي نتعلمه.
كلمة "حشيش" في اللغة العربية كانت في قديم الزمان تجسد تلك الجماعات التي حاولت قتل صلاح الدين الايوبي, حيث كانوا اتباع هذه الجماعات يسمون بالحشاشة. هذه الكلمة انتقلت الى الغرب عن طريق رحالة ايطالي, وفي الغرب استخدمت للدلالة على الجريمة, فأصبحت تسمى "أسيس" وتحولت الى مصطلح اغتيال "أسيسياشن". أي ان اصل الكلمة هو عربي. هذه احدى الكلمات التي عبرت بين الحضارات واخذت معان كثيرة تدل على الجريمة. اما في التاريخ المعاصر, فان الحال تغير واصبح الشرق ينقل عن الغرب. قديما كان التاريخ يكتب على يد اصحاب الشأن, فالمسلمون كتبوا تاريخهم واثر ذلك التاريخ على الحضارات المحيطة بهم, وكلمة حشيش خير دليل على ذلك, اما اليوم فالتاريخ يستمد مصداقيته وفق ما يتناسب مع الغرب.
في احدى حصص التاريخ الاسلامي والشرق الاوسط, تطرق الدكتور مردخاي نيسان الى حقبة صلاح الدين الأيوبي, فقد اثنى عليه وعلمنا كيف استطاع ان يوحد العرب والمسلمين في وجه الصليبيين, وكيف اعاد القدس بعد اكثر من مئة عام على احتلاله من قبل الصليبيين. كانت تلك الحقبة مثيرة للجدل, فقد علمنا مردخاي ان صلاح الدين بايع عماد الدين زنكي في حين ان ابا صلاح الدين تحدث مع ابنه على انفراد بان مصر ستكون لبني ايوب. وعلى الرغم من اني وجدت تناقضا بين ما يعلمني اياه مردخاي وبين ما يروى في التاريخ العربي والاسلامي, الا اني وجدت اغرب شيء هو الاسماء التي لطالما كنت انا – العربي الوحيد – اصححها. فبدل خالد بين الوليد كان يكتب الوليد بن خالد, وعندما صححت له ذاك الاسم, قال ضاحكا, هل غير اسمه؟.
كذلك الأمر مع عماد الدين ونور الدين زنكي, فبدل زنكي قال لنا مردخاي ان اسمه عماد الدين زنجي. على الفور رفعت يدي مطالبا كالعادة بتصحيح الاسم, ولكنه هذه المرة قام بتصحيحي انا وذلك ان اسم هذا الشخص هو زنجي وليس زنكي. كان مردخاي يحمل معه "الدليل" وهو ان اسم زنجي مكتوب في الموسوعة الاسلامية وليس خطئا منه. وطلب مني كتابة الاسم بالعربية لكي يبحث الأمر. بعد انتهاء الحصة, ذهبت الى المكتبة ذات الطوابق الخمسة باحثا عن الموسوعة الاسلامية, وهي موسوعة تكتب بالانجليزية. وعندما وجدتها كانت للاسف في صف مردخاي. في الحصة التالي, عاد مردخاي الى الصف ومعه اخبارا جديدة, فقد اخبرنا انه بحث في المصادر العربية هذه المرة, ووجد ان اسمه زنكي وليس زنجي, ولكنه اصر على تسميته زنجي وذلك وفقا لمصداقية المصادر والمراجع الانجليزية, على الرغم من ثبوت صحة كلامي وفق المصادر العربية. وما زلت اتسائل عن هذه الحقيقة الغامضة في التاريخ, اذ اصبح التاريخ الاسلامي يمر تحت رقابة الغرب والمستشرقين.
لم يكن مردخاي نيسان مذنبا حين سماه زنجي فهكذا تسميه مصادر الغرب في الموسوعة الاسلامية التي هي المصدر الأكثر مصداقية للمتحدثين بالانجليزية وغير الانجليزية, ولم اكن انا مذنبا في هذا الشأن, فلطالما عرفته زنكيا وليس زنجيا, كما ان زنجي لها معنى معروف وهذا المعنى لا ينطبق على زعيم بحجم عماد الدين ونور الدين. ولكن المذنب الوحيد هو الزمن الذي جعل تاريخ المسلمين محطة لا تمر دون ان يوافق عليها الغرب ويعدل فيها كما يشاء ويضيف اليها ما يشاء وينقص منها ما يشاء ويمسح منها ما يشاء, لكني على الرغم من ذلك سأسميه عماد الدين زنكي.. ونص.
No comments:
Post a Comment