Jan 22, 2010

كيف تصنع من نفسك ناجحا


الثقة بالنفس, الإيمان بالذات, ودحض المستحيل. تلك هي أسس النجاح, أو على الأقل هي المسلك الآمن للوصول الى الهدف. في الفترة الماضية, كان لي الشرف في التعرف على الأستاذ الكبير طالب طلال ادكيدك, والذي قام بتمرير دورة تدريبية تحت عنوان "مهارات أكاديمية" وهي دورة تدريبية يقوم أستاذ طالب بتعليمها لطلاب الجامعات على وجه الخصوص. وهي إحدى دوراته العديدة وأبسطها.
هدف الدورة هو أن نستغل طاقاتنا الكامنة, وأن نجد طريقنا الخاصة في الوصول الى أعلى التحصيل العلمي. كانت الدورة في اللغة العربية الأمر الذي شجعني أكثر على الخوض فيها, وهي بمبادرة من مكتب عميد الطلبة وحدة دعم الطلاب العرب, الاخ ليث جيوسي, والذي دائما يسعدني بأعماله ومثابراته الهادفة والتي تصب في مصلحة الطالب العربي خصوصا وسط أمواج التعليم العنيفة في الجامعة العبرية. الدورة إستمرت وللأسف على مدى تسع لقاءات فقط, كنت أتمنى أن تكون أكثر من ذلك.
بمناسبة الحديث عن أستاذ الدورة, لا بد أن أذكر مدى إعجابي بسيرته الذاتية المثقلة بالإنجازات والتحصيل العلمي العالي. ما شد إنتباهي هو تحديه للغة العبرية, حيث انها كانت لغته الثالثة, على عكسي فهي لغتي الثانية, حدثنا أنه كان يذهب الى المحكمة المركزية بالقدس ليستمع الى إلقاءات المحاميين, بهدف تسيير آذانه للغة الجديدة. كانت هذه إحدى طرقه في تعلم العبرية بالإضافة الى عدة طرق أخرى, تدل على وعي الشخص, وعلى ثقته بنفسه, وعلى مدى الطموح الذي يحمله في ذاته. هو حاصل على ماجستير في هندسة البرامج, بكالوريوس هندسة حاسوب, دبلوم في علم النفس التسويقي ودبلوم في التصوير الفوتوغرافي, دبلوم تربية, دبلوم عالي في أنظمة التعليم المتسارع, كما أنه حاصل على درجة مسعف من نجمة داوود الحمراء. ليس هذا فحسب بل إنه أكثر من ذلك فهو مؤسس مركز إشراقة للتدريب ومهارات التفوق وأكثر.
تمت الدورة في الجامعة العبرية جبل المشارف, كنا نلتقي أيام الأحد مساءا, وكنت أضطر للإنتظار ساعة وربع حتى يحين موعد الحافلة الأقرب بعد الإنتهاء من اللقاء, لكني كنت سعيدا بذلك, خصوصا عندما أخرج مفعما بالطموح, محملا بمهام كنت أجهل كيف أرسم خطاها لنفسي. وكنت سعيدا أكثر عندما أبدا يوم الأحد الساعة الثامنة صباحا غير مبال لعشر ساعات تفصل بين بداية نهاري وبداية اللقاء, كنت منهكا جسديا لكن هدفي ورغبتي في تواجدي في اللقاء كانا أكبر من أي انهماك. تتسارع الساعة ويتسابق معها الزمن ليشكلوا مؤامرة نتيجتها أن تنتهي الدورة بسرعة ودون أن نشعر بها. لكن هكذا كان لها أن تكون.
هدف الدورة يتلخص في عدة نقاط, تعزيز الثقة بالنفس, قوة الذاكرة, القدرة على ربط المعلومات, التغلب على الخوف من الامتحانات, تحويل تجارب الماضي الغير ناجحة الى أدوات ودروس, تعزيز مهارات الاتصال مع المحاضرين ومع الأسرة, تطوير آليات لحل المشاكل والتحديات, توزيع الوقت في الدراسة, تطوير أساليب أرشفة المعلومات في الدماغ ومراجعتها, القراءة السريعة, تحديد الأهداف والعمل عليها, التخطيط الفعال والمرونة في التنفيذ, وضع رسالة للحياة, وتعلم عادات الطلاب المتميزين. كانت هذه نقاط الدورة الرئيسية, لكن في العمق تعلمنا أكثر من ذلك.
تعلمت في هذه الدورة, وببساطة تامة أن أكون أنا, كما أردت, لكني كنت أجهل كيف أصل الى هذا الأنا, كنت أظن أن السعي بجانب الحائط سيمكنني من التغلب على خوفي من التقدم الأكاديمي, لكني سرعان ما كنت أجد نفسي أمام ذلك الحائط, في هذه الدورة تعلمت كيف أتسلق هذا الحائط بدلا من التحديق فيه. تعلمت كيف أكون شخصا جديدا, كيف أحب لنفسي قبل أن أحب ما يريد الآخرون لي أن أكون, تعلمت أن الحياة الاكاديمية ليست سهلة كما تصورها المسلسلات الرمضانية, لكنها ليست مستحيلة أيضا, تعلمت أني حين أريد شيئا فلابد أن يطاوعني العالم كله للحصول عليه, بشرط أن أطاوع نفسي أولا. ستبدو للوهلة الأولى أنها نظريات على ورق, لكنها ليست كذلك بعد أن كنا نتمرن ونتأكد بأن هدف الدورة تم على أكمل وجه.
شكرا لك طالب على كل لحظة أسعدتنا, وزدت من معرفتنا بأنفسنا, شكرا لك على منحنا هذه الفرصة لنغوص في أعماق طموحاتنا وقدراتنا المختبئة خلف أسوار الخوف. شكرا لك على منحنا القدرة لنعرف قدرة أنفسنا على التفوق والتقدم, تذكر أن من علمني حرفا كنت له عبدا. شكرا لليث جيوسي على هذه المشاريع الرائعة, شكرا لكم.

Jan 10, 2010

بنكي .. أنت طالق بالثلاثة



مضت خمس سنوات منذ أن دخلت عالم البنوك. في البداية كنت لا أزال أملك القليل من المال لأودعه في المصرف, كنت قد ادخرت هذا المال من عملي في مجال البناء كعامل بسيط, ومن كوني "تاجر" سابقا للألعاب النارية ايام الطفولة. تجربة المصرف أخذتني في عالم من الأوراق والوثائق الكثيرة. أذكر حينها أن أبي أخذني الى إحدى الفروع في شارع يافا في القدس. قمنا بعمل اللازم للحصول على حساب جديد. وها أنا الآن لدي حساب مصرف في مصرف "بوعاليم" وترجمة هذه الكلمة يعني بنك العمال.
لطالما أحببت هذا الفرع, ولطالما سعدت من الخدمات التي أتلقاها من الموظفات هناك, حتى أني كثيرا ما شجعت غيري على تحويل حساباتهم البنكية الى ذلك الفرع من منطلق أني أشعر بالراحة هناك, ولا مجال "للمقارنة" بغيره من البنوك. ما كنت أجهله في ذلك الحين, أني كنت مثل كثيرون غيري ممن يقعون في متاهة عدم المعرفة, أو لنسمها, متاهة البنوك.
بغض النظر عن الموظفات الجميلات, والهدايا المتكررة, والخدمات السرعة, هنالك ما يسمى بالبيروقراطية, وهي من أكثر المعوقات للمواطن العادي في حياته الطبيعية خصوصا في الدول "الديمقراطية", ما أعنيه ربما لن يكون مهما للبعض, لكني شخصيا أعاني هذه الظاهرة السيئة في هذا المجتمع. مشكلة البيروقراطية هي بالنتائج المتراكمة على رؤوس المواطنين, وفي هذه الحالة, على رؤوس الزبائن في البنوك. إن لكل عملية بنكية سعرا آخر, حتى سحب النقود بات يلازم نوعا من الدفع, ولو كان مبلغا رمزيا.
مشكلة البنوك لا تقتصر فقط على البيروقراطية ذاتها وإنما على "غباء" الموظفين نوعا ما, هذا الأمر وحده كفيل بأن يعيق يوم عملي كله أو أن يعكر صفو مزاجي فيتحول يوم عملي الى جحيم, ويصبح يوم دراستي كئابة متواصلة, هكذا هي الحال عندما أصطدم بحائط بملامح إنسان ألا وهو موظف أبله. هذا ما حدث معي يوم الأحد الماضي. قبله بأسبوعان كاملان, ذهبت الى المصرف على نية أن أخرج وبحوزتي توقيع المصرف على ورقة تحويل نقود من حسابي البنكي الى حساب الجامعة, على شكل دفعات, بدل أن أسحب نقدا وأدفع دفعة دسمة. دخلت الى المصرف, كالعادة إنتظرت قليلا ثم توجهت الى خلية الموظفة, هناك أخرجت الورقة من حقيبتي, وقد طلبت مني على الفور بطاقة الجامعة لكي تحول نوع حسابي من عادي الى طالب جامعي, وقد تركت توقيعها على هذه المعاملة, ثم توجهنا للحديث عن طلبي الأسطوري.
قمت أنا بلمئ الإستمارة كلها ولم يبقى سوى أن تخرج الموظفة الختم وتوقع على الإستمارة, وهذا لم يحدث, فقد أخذت الإستمارة ووضعتها في كومة من الإستمارات (والتي أظن أن مصيرها كان كمصير إستمارتي) وقالت لي أن هذا سيأخذ أسبوعا من المعاملات وأن المصرف سيقوم ببعثها الى الجامعة نيابة عني, وقد ذكر على الإستمارة ذاتها أن على الطالب توصيلها الى الجامعة بنفسه, لم يقنعني تصرفها ورغم ذلك فقد سلمت للأمر من منطلق أني "أثق" في هذا المصرف ومن يعمل فيه.
خرجت من هناك أسرع نحو الحافلة لأصل الى الجامعة وأبدأ أسبوعا جديدا, وبدون أن أقصد, قمت بإجراء محادثة هاتفية مع أخي أتحدث عن أشياء مختلفة ومن ضمنها سألته عن أمر الإستمارة, قال لي أنها موظفة ساذجة, وقد تصرفت بغباء ولن أنال التحويل المصرفي حتى بعد سنة!!
لم أخذ كلماته بجدية, وقلت لنفسي لأجرب, وهكذا كانت قصتي قد بدأت تأخذ شكلا جديا. مر أسبوع, والجامعة ما زالت تحجب عني رؤية تحصيلي العلمي, ومواعيد الإمتحانات, وغيرها من الخدمات. بعد أسبوعان, عدت الى المصرف, وعدت الى الموظفة نفسها, تريثت قليلا وفكرت أن أسحب نقدا ثمانية الآف من الشواقل أي أكثر من ألفا دولار, ودفعهم دفعة واحدة الى حساب الجامعة. أخذت بطاقة إنتظار, لكني وجدت أن أمامي ما يقارب الخمس عشر شخصا ينتظرون, أما في زاوية تلك الموظفة والتي تجلس في "خلية" الخدمات, فقد وجت أن لديها شخص واحدا فقط. ذهبت إليها, لم تعرفني لكني أذكر وجهها جيدا وجسدي يرتعش من الغضب.
بعد أن بحثت عن "قصتي الأسطورية" قال أنها لا تذكر ذلك, أخرجت لها الوصل الذي قد وقعت عليه قبل أسبوعان عندما حولت حسابي من عادي الى طالب جامعي. عندها لم تعد تنكر لكنها غيرت قصتها الى أن إستمارتي لربما تكون قد سقطت سهوا في "خطأ" تقني. الصراحة تقال أني لم ألقى أكثر وقاحة وسذاجة من تلك المرأة. على الفور قلت لها أن ذلك أفضل, تعجبت من قولي سائلة عن السبب, قلت لها أن تبدأ معاملة إغلاق الحساب كله.
بعد أن تعبت من إقناعي بأن هذا ليس خطئها, تعبت من التفكير, وأصريت على أن تغلق الحساب بصورة نهائية. كانت العملية سلسة وقصيرة نسبيا لكني طوالها كنت أوبخ تلك الموظفة وهي كالحائط تتلقى التوبيخ وتسألني إن كنت أريد إضافة كلمات أخرى. جعلتني تقريبا أجهش على البكاء, كنت أتحدث معها بللغة العبرية ثم تحول نصف الكلام الى اللغة الإنجليزية, لكثرة سرعة تدفق الغضب في جسدي, كنت أريد أن أوبخها أكثر, أن أرفع صوتي, أن أعبر عن غضبي.. لكني إكتفيت بتوجيه كلمات مناسبة لوضعها. بصراحة لم أرى أكثر منها وقاحة وغباءا وسذاجة.
بعد خمس سنوات من الخدمات والتهاني والهدايا بمناسبة وبدون مناسبة, أغلقت حسابي هناك, وقمت بفتح حساب في بنك "ديسكونت", على الأقل هنالك فرع في الجامعة, قريب مني متى شئت, ناهيك عن المعاملة الحسنة التي أتلقاها. أشعر أني ربحت وأنهم قد خسروا, وكل ذلك بسبب موظفة تافهة. إذن فقد تم الطلاق بيني وبين بنك العمال, طلاقا كاثوليكيا لا عودة فيه. يؤلمني ذلك لكن هكذا أرادوا أن تكون الموظفة, وهكذا أردت أن أعبر عن غضبي, وهذا ما حدث بيني وبين بنكي. تبا لك يا يفعات إلياهو!!!