لطالما كانت لدي علامات استفهام حول ما يدور وراء كواليس صناعة الأفلام في العالم العربي, وخصوصا في السينما المصرية, لكني لم أكن أبدي اهتماما في ما يدور في السينما الإسرائيلية رغم أنها مليئة بقضايا تستحق الجدال والنقاش. السينما الإسرائيلية تعالج الواقع الذي نعيشه بموضوعية أكثر الأفلام العربية الأخيرة. قصص الحب والغرام والانتقام غير متواجدة بذلك الزخم الذي تعاني منه أفلام العالم العربي. كثيرا ما أشعر بالغثيان عند مشاهدتي لشخص يحرك شفتاه ويصدر أصواتا غريبة ظنا منه أن ذلك يضحك المشاهد, وهو في الواقع بكاء المشاهد على هذا الشخص الذي وصل به حال التخلف إلى هذه الدرجة المتدنية.
في السينما الإسرائيلية, يأخذون العمل السينمائي على محمل الجد, يسيرون وفق شعار واحد أوحد ألا وهو احترام عقل المشاهد. إن عدم احترام عقل المشاهد يشكل نقطة فراغ بين ما هو معروض على الشاشة وما يجب على المشاهد أن يصدق. أما في السينما العربية فحدث ولا حرج.
السينما كما في كل الحضارات, هي ثقافة بحد ذاتها, ومرآة للجمهور المشاهد تعكس همومه وقضاياه وتعكس حياته كلها لتعرض على الشاشة الكبيرة. لطالما كانت شاشة السينما أداة تعبير عن الرأي العام, فشكلت الأزمات السياسية, وشكلت الرأي العام المناهض لظواهر عديدة. لكنها في عالمنا العربي أسقطت وضربت تقاليدها وأعرافها عرض الحائط, لتؤول بنا الحال إلى أن نرى أشخاص مثل "الممثل" محمد سعد, ينقل لنا في كل دور يقوم به شخصية رجل هارب من مستشفى الأمراض العقلية أمام عدسات الكاميرا.
الغريب والمؤسف والمبكي أحيانا كثيرة, هو الإقبال على هذه الأفلام خصوصا شريحة الشباب "المتعلم" ما الذي حدث؟ كيف لهذا الشخص وهذه الزوبعة من التخلف أن تؤدي بشبابنا المثقف أن يرى ويشاهد بل ويتابع هذا النوع من التخلف العلني؟. أعذروني إن بالغت, فالسينما بالنسبة لي خط أحمر. أنا لا ألوم محمد سعد في هذه القضية, بل هو شخص رأى أن هذا النوع من التخلف العلني يعود عليه بالربح الوفير, "والشهرة" الواسعة.
على الرغم من سياستها القمعية, وممارسة العنصرية الفردية, إسرائيل تتقدم كل عام خطوات كبيرة في صناعة السينما, حتى أن بعض الأفلام تعرض العنصرية بصورة واضحة, وأحيانا تلبس دورا كوميديا مضحكا يزج المشاهد في زوايا التفكير, لكنها لا تتراجع عن شعارها, احترام عقل المشاهد. وهذا ما جعل الأفلام الإسرائيلية الأخيرة, تطير إلى لوس أنجليس ولتترشح لجوائز أوسكار, هناك يستحيل أن نرى محمد سعد ومحمد هنيدي وباقي "الممثلين" من تلك العينة.
في السنة الثالثة على التوالي, يرشح فيلم إسرائيلي, لنيل جائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي. هذا العام كان من نصيب فيلم عجمي من إخراج اسكندر قبطي ويارون شاني, وبطولة باقة من أبناء مدينة يافا. الفيلم عبارة عن أربع قصص تدور في آن واحد في يافا. لن أستطيع أن أعبر عن مدى انبهاري وإعجابي في الفيلم, لكني سأقول عنه انه يستحق حقا أن يصل إلى الأوسكار.
لم يناقش عجمي قصة أب مليونير لا يعرف كيف يحمي أمواله أو ابنته التي تحب شابا فقيرا, ولم يناقش قصة شاب فقير يغني فيصبح نجما لامعا, ولم يناقش قصة فتاة تزوجت زواجا عرفيا, كما يحدث عند معظم الأفلام العربية, بل ناقش الواقع ولنكن واضحين أكثر, قام بنقل الواقع إلى الشاشة الكبيرة. أسلوب سرد حضاري, وقصة من عمق الواقعية. المثير في الأمر أن اسكندر قبطي أراد "يافاويين" أي أبناء يافا ولم يبحث عن ممثلين محترفين, هذا ما جعل الفيلم واقعيا بحتا.
هكذا إذن هي حال السينما العربية, أو بعض منها. وهكذا اختار اسكندر قبطي أن يعبر عن بعض واقع المجتمع العربي في إسرائيل, فكان الأوسكار ثمرة عمله وإبداعه والأهم من ذلك, أن الأوسكار كان بمثابة رسالة له ولطاقم الفيلم لسبب يبدو بسيطا ألا وهو احترام عقل المشاهد.
Feb 10, 2010
عجمي, كركر والأوسكار
Subscribe to:
Posts (Atom)