في بداية السنة التحضيرية, كنت قد أعددت نفسي لأخوض تجربة جديدة لم اخض مثلها في السابق. كانت هذه التجربة, هي الضغط الدراسي بعينه, وسواء كنت ناجحا في التعامل مع هذا الضغط ام لا, فاني أيقنت ان الامر ليس بالسهولة التي يراها البعض. هذه التجربة كانت تضم ساعات طويلة من الدراسة المتواصلة, منذ الصباح الباكر وحتى بعد الغروب, حصة تلو حصة, ومحاضرة تلو أخرى, وساعة تلو ساعة, واذا بالنهار ينتهي فأصعد الحافلة لأعود الى البيت لأعد ليوم جديد.
مع كل بداية كانت التحديات تزداد, كنت أعلم اني على وشك الوقوع في المجهول في أي لحظة اتاخر فيها عن تادية واجبي باكمل وجه ممكن. ومع حرصي على العمل بشفافية, كنت قد أعددت نفسي ايضا للعمل على امور قبل ان يحين موعدها. من هذه الامور كان علي ان اقدم بحثا اكاديميا في أي موضوع يخص الشرق الاوسط او العالم الاسلامي. كنت قد اخترت ان ابحث في حرب العدوان الثلاثي على مصر, عرضت الفكرة على المحاضر, ووافق عليها وشجعني على القيام بها لا سيما اني اتحدث العربية والعبرية والانجليزية, وهذا من شانه ان يساعدني على القراءة من مصادر عديدة. البحث العميق والاكاديمي, اخذ الوقت الطويل, كان علي ان اقرا الكثير من المراجع باللغات الثلاث بينما الاخرون كانوا يقرؤون بالعبرية والانجليزية فقط.
في الجامعة العبرية, ككل الجامعات, هناك نظام شبكة آلات تصوير بالليزر عن طريق استخدام بطاقة ذكية. هذه البطاقة يتم شرائها مقابل سبعة شواقل ويتم شحنها حتى المائة شاقل كحد اقصى, وكل شاقل في الرصيد يستطيع ان يعطي ما يقارب الستة صفحات. وفي حال هذه البطاقة يمكن القول: "على قد لحافك مد رجليك". في احد الايام, بالغت في مد ارجلي, وكنت قد شحنت البطاقة لقيمة وصلت حسب تقديراتي لمئتان وخمسون صفحة كان يمكن ان استغلها. ولأني كنت حريصا على العمل على الشيء قبل أوانه فقد جمعت كل المصادر التي تطلبها البحث في قائمة, وجهزت نفسي لأصور المواد المذكورة لأباشر بالعمل على البحث.
تتكون المكتبة في الجامعة العبرية, من خمس طوابق ضخمة, وقد كان مجمل بحثي في الطابق الرابع والخامس. اول كتاب حسب قائمتي كان في الطابق الرابع, هناك اخذت الكتاب, وخرجت الى زاوية آلات التصوير, وصورت المواد وانتقلت الى الطابق الخامس. فجأة, تذكرت اني لم اخرج البطاقة من الجهاز, عدت مسرعا لأتفقد الطابق الرابع, ولكني لم اجد البطاقة. سألت من كان هناك عن بطاقتي, فقال لي احدهم انه راى شخصا كان ينتظر خلفي, وعندما انتهيت لم يبلغني باني نسيت البطاقة, وصف لي شكله, ولكن اين اجده بين الاف الاشخاص في مكتبة لا يعلو فيها صوت الشهيق والزفير. عدت الى مكان شراء البطاقات, اخبرت البائع بما جرى, فقال لي: "عفارم عليك" واشتريت واحدة جديدة ولكني لم امد رجلي كما في المرة السابقة, لأني أدركت ان الحرامي كان امامي.