ليس منبع فخر ان اعرف مدير مصنع محركات الطائرات النفاثة واحد المؤسسين للمصنع الذي يختص ايضا في صناعة صواريخ باتريوت المضادة للصوارخ. وليست مجرد ايام عادية عرفت فيها شخصا لم يعرفني من قريب وانما عرف ذلك العامل الذي ياتي الى الورشة ليساعد البنائين في بناء اسوار الطوب العالية.
صيف عام 2005 عملت كعامل في البناء ليس اكثر في مصنع لمحركات الطائرات في المنطقة الصناعية في "بيت الشمس", لا أفخر بهذا الأمر فالعمل ليس عيبا طالما انه شريف, وبما اني كنت أعمل في مجال بناء الطوب فلا أعتبر هذه خطيئة أو خيانة للوطن والأمة والدين. بل اني ومن كان معي بطبيعة الحال فرضنا وجودنا وكوننا مسلمون, فلا عمل ايام الجمعة ولا ازعاج في أوقات الصلاة, وكل هذا كان يجري داخل المصنع وبالتحديد في مخزن ضخم كان في ما مضى مدرسة لهندسة الطيران لكنه تحول لاحقا الى فرن لصهر الحديد وصب المحركات وغيرها من انتاج الشركة.
قصة المدير, اني أعجبت بقوة ملاحظته وتشديده واصراره ومثابرته والتزامه بقوانينه الحكيمة. على الرغم اني اجد تناقضا بين كونه يهوديا وبين اعجابي فيه الا ان هذا ما حصل. كان يأتي كل يوم الى العمل ويبدأ باكرا في تمام الساعة السادسة صباحا كل يوم, حتى قبل مجيء عمال المصنع, وكان ينهي دوامه الساعة الخامسة مساءٌ, كان يراقب كل شيء ويدقق في كل شيء حتى انه كان يفهم في مجال البناء اكثر مني, وكان يطلب هدم حائط بأكمله ان وجد فيه اعوجاجا ولو بسيطا. عرفنا على نفسه انه المدير العام للمصنع وانه من مؤسسيه, بحثت في الانترنت عنه ووجدت انه رجل ناجح في عمله الى اقصى الحدود.
يمكننا القول ان "ابنير شاحام" مهم في دولته, فهو صاحب مصنع يدحرج ملايين الدولارات كل شهر ويعقد صفقات مع دول مثل تركيا وغيرها لتقديم خدماته لهن. ذات يوم رايت اهتمام الرجل بنوع السراميك الذي احضره المتعهد كمثال على السيراميك الذي سيكون في الحمام, فلم يوافق عليه مدير المصنع, عندما سالت المتعهد قال ضاحكا ان سبب رفض المدير هو ان ذاك النوع من السراميك يلتقط الاوساخ بسرعة. كيف لمدير بهذه الاهمية التعمق الى هذه التفاصيل التافهة, ولكني حينها عرفت لماذا يقف رجل مثل هذا في منصب مثل هذا, لانه لم يحضر الى هنا بواسطة قريب له او بواسطة رشاوى.
هذا الرجل, صنع مركزه بارادته وبقدراته الشخصية وبمثابرته. ولم يود لعائلة غنية لديها نفوذ او ما شابه او عائلة تمتلك ابار نفط في النقب, بل رجل عادي قرر ان يكون رجلا ناجحا في المجتمع, وهذا بالفعل ما حدث. لم يعرفني "ابنير شاحام" عن عمق, لكنه كان يطلب مني باستمرار تنظيف الطين المتناثر وعدم الاكثار من الفوضى في المكان ليكون العمل اسهل بالنسبة لي.