من الخصائص التي تميز خطوط المواصلات الكبرى في اسرائيل والتي تعرف بشركة "ايجيد" أن سائقيها والموظفين العاملين فيها والقائمين عليها وحتى ركاب حافلاتها, يتمتعون بحس عنصري عميق, مما يجعل في أولويات واجباتهم الوطنية الاجتماعية والسياسية, ان يمارسوا العنصرية كما لو كانوا يستنشقونها. وأخص هنا اليهود منهم, فالعرب بشكل عام هم الضحايا في هذا المجتمع الوحشي.
خطوط المواصلات "ايجيد" هي أكبر شركة في اسرائيل وخصوصا في منطقة القدس وقد بدأت العمل في البلاد قبيل عام 1944 وقت الانتداب البريطاني في المنطقة والذي بدوره أورث هذا الانتداب لقطاع الطرق والمرتزقة وبعض العملاء العرب في الجوار. هذه الشركة لطالما تمسكت بشعار يميز تناقض مبادئها مع الجودة والخدمة التي تقدمها للزبائن. شعارها يقول: "جيد أن القيادة في يدي ايجيد" والتناقض هنا يتمثل في العنصرية التي يبديها الكثير من سائقي حافلات هذه الشركة, - وهذا لا يعني بالضرورة أن سائقي الشركات الأخريات من الملائكة - ويتمثل ايضا في ان هذه الشركة توظف سائقين من كل من هب ودب.
كما هو معروف أن الدولة العبرية جمعت على مدى العقود الماضية المهاجرين "اليهود" من كل دول العالم, ولم يبقى مكان الا وقد تسللت اليه اليد الاسرائيلية واحضار "اليهود" منه الى البلاد, سواء كان ذلك عن طريق البحر أو الجو وحتى اليابسة. هناك مثل يتداوله البعض وهو تساؤل عن أنظف دولة في العالم, الاجابة هي المغرب, لأن الحكومة الاسرائيلية قد أتت بكل القمامة الى هذا الوطن, وقد سمعتها عدة مرات وفي العربية والعبرية أيضا.
عندما أفتتحت محطة الحافلات الجديدة الواقعة في القدس, كانت هواجس الأعمال الاستشهادية تحوم فوق رؤوس القائمين على الشركة, وكانت الكوابيس تزعج المسئولين, وكانت العمليات تؤتي أكلها كل حين. فسارع المسئولون وسارعت شركات الحماية والمراقبة والحراسة وأجهزة الأمن بتركيب وتكوين مؤسسة حكومية وجهاز حكومي وذلك عن طريق خصخصة المشروع, لمراقبة محطات الحافلات وابقاء الأمن تحت السيطرة. من هذا المنطلق, أصبحت أواجه مشاكل كبيرة جدا في كل مرة أردت فيها الدخول الى المحطة المركزية للذهاب الى رصيف الحافلة التي تقلني الى قريتي, وفي كل مرة كنت أواجه نفس السؤال من نفس الشخص الى أن يأس يوما وأصبح يعرفني بمجرد النظر الى وجهي. كان شخصا أثيوبيا, وجه شاحب, وعيون صغيرة, وعمود فقري يكاد ينكسر من تاريخ مجاعة طويل رمى به الى جهنم المنطقة, وتخلى عنه القدر ليواجه مصيرا كان محتوما عليه. ولكل شخص يعيش في الخط الأخضر أو كما أسميها فلسطين المحتلة, فانه يعي تماما أن أول سؤال يوجهه الأثيوبي هو, بطاقة هوية. يا لسخرية القدر, أثيوبي هاجر الجوع على متن سفينة نتنة, هاجر الغابات وهو لا يمت لليهودية بصلة, وأحضر الى هذه البلاد المسكينة,ويسألني عن الهوية, وعن ما اذا كان مصرحا لي التواجد هناك ام اني من عرب اسرائيل.
في أيام كثيرة كنت أبقي هويتي في البيت عمدا, وأستخدم بدلا منها بطاقة الجامعة العبرية, وفي الحقيقة كنت أفعل ذلك من باب التجربة وقد شاهدت الفرق عندما كان الحارس شخصا اخر, فعندما كان الأثيوبي كنت أضيع عشرة دقائق محاولا اقناعه بأن البطاقة تنفع بدل الهوية. وفي مرة كانت حارسة مؤدبة, فعندما سألت عن الهوية, فتحت المحفظة ورأت البطاقة وعلى الرغم من أني أردت اخراج الهوية الا انها أرادت أن ترى البطاقة, ولم تسألني أي شيء مطلقا, على العكس قامت برفع حقيبتي من على الأرض وقالت لي بالعربية: مع السلامة.
مواقف وأحداث وأزمات وحروب نفسية, تمر كلها على أبواب المحطة المركزية, التي أصبحت رمزا للعنصرية ضد الأقليات. مرات كثيرة استشط غضبا على الحارس الروسي, وكاد أن يطلب لي الشرطة لكني لم ألمسه حينها وقد ساعدني ذلك على الصراخ في وجهه, لكنه كان ذكيا, فقد طلب مني أن أفتح حقيبتي ليفتشها ويضيع علي الوقت, وقد فعلها ذلك الوغد. مواقف كثيرة تجسد المعاناة العنصرية التي تحيط بالمواطن العربي في اسرائيل, وما هي الا نقطة في بحر العنصرية الاسرائيلية, وعلى كافة المستويات.