شهر التوبة والمغفرة, شهر الرحمة والعطاء, شهر الطاعات, شهر به ليلة هي خير من ألف شهر. شهر رمضان غني عن التعريف, وفوق كل وصف روحاني. هذا العام يهل علينا رمضان في حر الصيف ليصبح أكثر صعوبة ومتعة, وليكون الصيام فيه جهاداً بحد ذاته.
في الماضي وقبل عدة أعوام كان الصيام أيسر نوعاً ما وذلك بسبب مدة النهار, لكن هذا العام فإن النهار آخذ بالاطالة ناهيك عن حر الصيف الذي يحول الحنجرة الى صحراء قحطاء. لكن هذا بحد ذاته متعة, ليس بمعنى أننا نلهو في هذه المتعة وإنما حقا نشعر بفرحة الإفطار والصبر لما يقارب الاربع عشرة ساعة من الصيام.
لرمضان نكهة خاصة, نشعر بها كلما اقترب موعد آذان المغرب, نلتف حلو المائدة, نراقب الساعة, وعلى الأغلب هنالك من ينتظر سماع الآذان سواءا كان ذلك من خلال مكبرات الصوت في المسجد القريب أو من خلال محطات التلفزة والإذاعة.
هذه النكهة آخذة في التلاشي, أو لنقل أنها تسير في سبيل آخر, فالسواد الأعظم من الصائمين يراقبون الساعة لا المؤذن. كم كنت في الماضي أتوق وأنتظر سماع المرحوم أبو جرير وهو يكرر جملته المحبوبة :" يرفع على مسامعكم آذان المغرب". لكن هذا العام لا حاجة لسماع الآذان من خلال إذاعة الراديو, فلم يعد أبو جرير موجودا, والحقيقة أن لا أحد من مذيعي صوت إسرائيل يستطيع ملء الفراغ الذي تركه المرحوم, حبذا لو كنت أسجل تلك المقتطفات وتلك الأدعية لأسمعها في رمضان.
ما أشبه اليوم بالأمس, وما أشبه العام بالعام الماضي وقبله بثلاثة أعوام. الحديث هنا عن مسلسلات رمضان التي لا تنتهي, وطبعا فإن الحديث عنها يكاد لا ينتهي أيضا, سآخذ هنا عينة من تلك الظواهر التي تثير الاستفزاز.
قبل رمضان كنت أتحدث مع بعض الأصدقاء حول رمضان وكيف سأرتب برنامجي, من حيث العمل والصيام وصلاة التراويح وما الى هنالك من أمور تتعلق بالشهر الكريم. أخذنا الحديث لنتحاول حول المسلسلات الرمضانية, في الحقيقة أني لا أتابع أيا منها لعدة أسباب, أهمها أنه شهر عبادة لا شهر عروض تلفزيونية, السبب الثاني هو عدم رغبتي في التعلق بأحداث مسلسل ما ليشغل تفكيري طول الشهر وبعد العيد وخصوصا عندما تكون المعدة فارغة فمن السهل على المشاعر أن تتأثر بالأحداث المعروضة على الشاشة. والسبب الأكثر شرعية هو أني أرفض أن أكون خروفا مثل باقي الخراف.
المقصود بالخروف هو أن أسير في قطيع من الخراف حيثما يسيرون دون أن يكون لي الرأي الحر بإختيار المنتوج الذي يناسب متطلباتي ورغباتي الترفيهية, كثير من الذين أعرفهم يسارعون في انهاء صلاة التراويح وحتى أنهم يقتصرون على صلاة العشاء فقط من أجل التفرغ لمسلسل "باب الحارة", تلك الاسطوانة المشروخة التي أكل عليها الدهر وشرب.
لست بصدد الحديث عن مسلسلات إباحية كتلك التي تزوجت خمسة أشخاص, "زهرة وأزواجها الخمسة" ولست بصدد مناقشة مسلسل تاريخي مليء بالأخطاء التاريخية "الجماعة" ولن أتحدث عن مسلسل يصلح لفيلم مدته ساعتان لا شهر كامل "العار", بل سأكون واضحا ومقتصرا بالحديث عن باب الحارة. هذا المسلسل يبث للسنة الخامسة على التوالي, أحداث مكررة, شخصيات عنترية, والمصيبة أن السواد الأعظم من مشاهديه يعانون من نقص معين فجاء المسلسل ليعوض بعضا من هذا النقص, ولا أستثني أحداً منهم!!.
أزعجت ذلك اليوم, وأصبت بتوعك في بطني عندما إنفض لقائي مع بعض الأصدقاء لأن أحدهم لا يستطيع أن يصبر أكثر فهنالك ما هو أهم من حديث الأصدقاء الذين لم يلتقوا سوية لأكثر من أسبوعان, فهنالك "باب الحارة". لم يكن بيدي شيء لأصنعه, سوى أن أعتبر ذلك عملا أحمقا ينمو عن تفاهة وسفاهة, لم يكن أمامي سوى اعادة النظر في قراراتي بشأن المسلسل, فهنالك ثغرة لم أفهمها, أو بالأحرى هنالك ظاهرة لم أفهمها رغم أني أعيشها مع بعض الناس.
قبل أيام كنت قد رافقت بعض الأصدقاء أيضا الى المقهى, كنت عائدا من العمل وأرتد أن أجلس معهم, واذا بهم يصطحبوني الى المقهى, جلست هناك ولاحظت التواجد الكبير لشريحة الشباب القادمين الى المقهى, كانت هنالك شاشة كبيرة يعرض عليها مسلسل باب الحارة, أضطررت لأن أشاهد الحلقة معهم. أصابني شعور لا يوصف, هل هو شفقة؟, هل هو غضب ما؟, هل هو اشمئزاز؟, في الحقيقة كان من الصعب علي أن أتقبل أيا من هذه التفسيرات سوى تفسير واحد, هو أن ذلك الشعور كان عبارة عن تلخيص لحالة المشاهدين هناك .. حالة تخلف جماعي!!!.
ما المضحك؟, وما المبكي؟, ومن هو ذلك الأخرق الذي يسمى "عقيد", وما هذه السذاجة بأن يصرخ ذلك العطار على نسائه ويعيدهن الى بيوت أهلهن, وكأنه بذلك أثبت رجولته. المصيبة أن المشاهدين كانوا آذان صاغية, يبكون لأم جوزيف, ويفخرون لرؤية "معتز" ويشتمون"أبو شوكت, أبو جودت, أبو لا يهم", أهذا هو الشغل الشاغل في رمضان, أهذا هو مستوى التفكير لديهم؟, أهكذا تكون تزكية الصيام؟!!.
نقطة أخرى تتلعق بباب الحارة نفسه, ان كانت هذه هي حال الأمة آنذاك, وكان الأجداد يعلمون الآباء والأبناء حب الكبير واحترام الوطن والدين, وأن يكون "رجلا" في بيته وأمام زوجته, فما الذي جعل الإستعمار يستفحل بنا طوال هذه المدة؟ وما السر عند عصبة من المهاجرين "اليهود" الذي جعلهم ينتصرون على "رجال" الشام البواسل؟!.
العيب ليس في مؤلف المسلسل وليس في المنتج والمخرج وباقي الفرقة العاملة عليه, فهم في نهاية الأمر يقومون بعمل ربحي تجاري بحت, بل العيب فيمن يسير كالأعمى لمشاهدة المسلسل وتناسى أنه مجرد عرض تلفزيوني عابر, العيب فيمن ترك الصلاة وذهب مسرعا الى متابعة المسلسل, العيب فيمن لا يصوم ولا يصلي ولكن يواظب على المشاهدة, بل ويعتبر نفسه إحدى الشخصيات العنترية هناك.
كما هي الحال كل عام فهذا العام لا بد وأن نشير الإنتباه الى النفاق الحاصل في رمضان, ففي بداية الشهر لاحظت الحضور الكثيف الى المسجد الأقصى لأداء صلاة التراويح, كنت أدرك أن توقعاتي ستصيب, وهذا ما حصل بالفعل, فقد تلاشى الحضور يوما بعد يوم, حتى أصبحت أقرب في كل يوم الى الإمام, وتعود الحركة قوية في السادس والعشرين من الشهر, اي ليلة السابع والعشرين أي ليلة القدر, ومن ثم سيكون المسجد الأقصى خاليا حتى إشعار آخر.
رمضان ليس شهر لطلب المأكولات الخاصة, وليس شهرا للنوم, أو أخذ إجازة من العمل, بل هو شهر العمل بحد ذاته وإلا فكيف لنا أن نشعر بالصيام؟!. رمضان شهر الخير, شهر العمل الصالح, شهر القرآن وشهر التوبة والمغفرة والإحسان, ديننا دين حنيف وعريق, فلنعش تعاليمه وقيمه, ولنكن خير أمة أرسلت للناس, ولنجعل من رمضان شهر طاعة وعبادة لا شهر سهرات وحفلات ومسلسلات, لنتذكر دوما أن لنا العمل في الدنيا وثواباً في الآخرة.
Aug 28, 2010
بأي حال عدت يا رمضان
Feb 10, 2010
عجمي, كركر والأوسكار
لطالما كانت لدي علامات استفهام حول ما يدور وراء كواليس صناعة الأفلام في العالم العربي, وخصوصا في السينما المصرية, لكني لم أكن أبدي اهتماما في ما يدور في السينما الإسرائيلية رغم أنها مليئة بقضايا تستحق الجدال والنقاش. السينما الإسرائيلية تعالج الواقع الذي نعيشه بموضوعية أكثر الأفلام العربية الأخيرة. قصص الحب والغرام والانتقام غير متواجدة بذلك الزخم الذي تعاني منه أفلام العالم العربي. كثيرا ما أشعر بالغثيان عند مشاهدتي لشخص يحرك شفتاه ويصدر أصواتا غريبة ظنا منه أن ذلك يضحك المشاهد, وهو في الواقع بكاء المشاهد على هذا الشخص الذي وصل به حال التخلف إلى هذه الدرجة المتدنية.
في السينما الإسرائيلية, يأخذون العمل السينمائي على محمل الجد, يسيرون وفق شعار واحد أوحد ألا وهو احترام عقل المشاهد. إن عدم احترام عقل المشاهد يشكل نقطة فراغ بين ما هو معروض على الشاشة وما يجب على المشاهد أن يصدق. أما في السينما العربية فحدث ولا حرج.
السينما كما في كل الحضارات, هي ثقافة بحد ذاتها, ومرآة للجمهور المشاهد تعكس همومه وقضاياه وتعكس حياته كلها لتعرض على الشاشة الكبيرة. لطالما كانت شاشة السينما أداة تعبير عن الرأي العام, فشكلت الأزمات السياسية, وشكلت الرأي العام المناهض لظواهر عديدة. لكنها في عالمنا العربي أسقطت وضربت تقاليدها وأعرافها عرض الحائط, لتؤول بنا الحال إلى أن نرى أشخاص مثل "الممثل" محمد سعد, ينقل لنا في كل دور يقوم به شخصية رجل هارب من مستشفى الأمراض العقلية أمام عدسات الكاميرا.
الغريب والمؤسف والمبكي أحيانا كثيرة, هو الإقبال على هذه الأفلام خصوصا شريحة الشباب "المتعلم" ما الذي حدث؟ كيف لهذا الشخص وهذه الزوبعة من التخلف أن تؤدي بشبابنا المثقف أن يرى ويشاهد بل ويتابع هذا النوع من التخلف العلني؟. أعذروني إن بالغت, فالسينما بالنسبة لي خط أحمر. أنا لا ألوم محمد سعد في هذه القضية, بل هو شخص رأى أن هذا النوع من التخلف العلني يعود عليه بالربح الوفير, "والشهرة" الواسعة.
على الرغم من سياستها القمعية, وممارسة العنصرية الفردية, إسرائيل تتقدم كل عام خطوات كبيرة في صناعة السينما, حتى أن بعض الأفلام تعرض العنصرية بصورة واضحة, وأحيانا تلبس دورا كوميديا مضحكا يزج المشاهد في زوايا التفكير, لكنها لا تتراجع عن شعارها, احترام عقل المشاهد. وهذا ما جعل الأفلام الإسرائيلية الأخيرة, تطير إلى لوس أنجليس ولتترشح لجوائز أوسكار, هناك يستحيل أن نرى محمد سعد ومحمد هنيدي وباقي "الممثلين" من تلك العينة.
في السنة الثالثة على التوالي, يرشح فيلم إسرائيلي, لنيل جائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي. هذا العام كان من نصيب فيلم عجمي من إخراج اسكندر قبطي ويارون شاني, وبطولة باقة من أبناء مدينة يافا. الفيلم عبارة عن أربع قصص تدور في آن واحد في يافا. لن أستطيع أن أعبر عن مدى انبهاري وإعجابي في الفيلم, لكني سأقول عنه انه يستحق حقا أن يصل إلى الأوسكار.
لم يناقش عجمي قصة أب مليونير لا يعرف كيف يحمي أمواله أو ابنته التي تحب شابا فقيرا, ولم يناقش قصة شاب فقير يغني فيصبح نجما لامعا, ولم يناقش قصة فتاة تزوجت زواجا عرفيا, كما يحدث عند معظم الأفلام العربية, بل ناقش الواقع ولنكن واضحين أكثر, قام بنقل الواقع إلى الشاشة الكبيرة. أسلوب سرد حضاري, وقصة من عمق الواقعية. المثير في الأمر أن اسكندر قبطي أراد "يافاويين" أي أبناء يافا ولم يبحث عن ممثلين محترفين, هذا ما جعل الفيلم واقعيا بحتا.
هكذا إذن هي حال السينما العربية, أو بعض منها. وهكذا اختار اسكندر قبطي أن يعبر عن بعض واقع المجتمع العربي في إسرائيل, فكان الأوسكار ثمرة عمله وإبداعه والأهم من ذلك, أن الأوسكار كان بمثابة رسالة له ولطاقم الفيلم لسبب يبدو بسيطا ألا وهو احترام عقل المشاهد.
Jan 22, 2010
كيف تصنع من نفسك ناجحا
الثقة بالنفس, الإيمان بالذات, ودحض المستحيل. تلك هي أسس النجاح, أو على الأقل هي المسلك الآمن للوصول الى الهدف. في الفترة الماضية, كان لي الشرف في التعرف على الأستاذ الكبير طالب طلال ادكيدك, والذي قام بتمرير دورة تدريبية تحت عنوان "مهارات أكاديمية" وهي دورة تدريبية يقوم أستاذ طالب بتعليمها لطلاب الجامعات على وجه الخصوص. وهي إحدى دوراته العديدة وأبسطها.
هدف الدورة هو أن نستغل طاقاتنا الكامنة, وأن نجد طريقنا الخاصة في الوصول الى أعلى التحصيل العلمي. كانت الدورة في اللغة العربية الأمر الذي شجعني أكثر على الخوض فيها, وهي بمبادرة من مكتب عميد الطلبة وحدة دعم الطلاب العرب, الاخ ليث جيوسي, والذي دائما يسعدني بأعماله ومثابراته الهادفة والتي تصب في مصلحة الطالب العربي خصوصا وسط أمواج التعليم العنيفة في الجامعة العبرية. الدورة إستمرت وللأسف على مدى تسع لقاءات فقط, كنت أتمنى أن تكون أكثر من ذلك.
بمناسبة الحديث عن أستاذ الدورة, لا بد أن أذكر مدى إعجابي بسيرته الذاتية المثقلة بالإنجازات والتحصيل العلمي العالي. ما شد إنتباهي هو تحديه للغة العبرية, حيث انها كانت لغته الثالثة, على عكسي فهي لغتي الثانية, حدثنا أنه كان يذهب الى المحكمة المركزية بالقدس ليستمع الى إلقاءات المحاميين, بهدف تسيير آذانه للغة الجديدة. كانت هذه إحدى طرقه في تعلم العبرية بالإضافة الى عدة طرق أخرى, تدل على وعي الشخص, وعلى ثقته بنفسه, وعلى مدى الطموح الذي يحمله في ذاته. هو حاصل على ماجستير في هندسة البرامج, بكالوريوس هندسة حاسوب, دبلوم في علم النفس التسويقي ودبلوم في التصوير الفوتوغرافي, دبلوم تربية, دبلوم عالي في أنظمة التعليم المتسارع, كما أنه حاصل على درجة مسعف من نجمة داوود الحمراء. ليس هذا فحسب بل إنه أكثر من ذلك فهو مؤسس مركز إشراقة للتدريب ومهارات التفوق وأكثر.
تمت الدورة في الجامعة العبرية جبل المشارف, كنا نلتقي أيام الأحد مساءا, وكنت أضطر للإنتظار ساعة وربع حتى يحين موعد الحافلة الأقرب بعد الإنتهاء من اللقاء, لكني كنت سعيدا بذلك, خصوصا عندما أخرج مفعما بالطموح, محملا بمهام كنت أجهل كيف أرسم خطاها لنفسي. وكنت سعيدا أكثر عندما أبدا يوم الأحد الساعة الثامنة صباحا غير مبال لعشر ساعات تفصل بين بداية نهاري وبداية اللقاء, كنت منهكا جسديا لكن هدفي ورغبتي في تواجدي في اللقاء كانا أكبر من أي انهماك. تتسارع الساعة ويتسابق معها الزمن ليشكلوا مؤامرة نتيجتها أن تنتهي الدورة بسرعة ودون أن نشعر بها. لكن هكذا كان لها أن تكون.
هدف الدورة يتلخص في عدة نقاط, تعزيز الثقة بالنفس, قوة الذاكرة, القدرة على ربط المعلومات, التغلب على الخوف من الامتحانات, تحويل تجارب الماضي الغير ناجحة الى أدوات ودروس, تعزيز مهارات الاتصال مع المحاضرين ومع الأسرة, تطوير آليات لحل المشاكل والتحديات, توزيع الوقت في الدراسة, تطوير أساليب أرشفة المعلومات في الدماغ ومراجعتها, القراءة السريعة, تحديد الأهداف والعمل عليها, التخطيط الفعال والمرونة في التنفيذ, وضع رسالة للحياة, وتعلم عادات الطلاب المتميزين. كانت هذه نقاط الدورة الرئيسية, لكن في العمق تعلمنا أكثر من ذلك.
تعلمت في هذه الدورة, وببساطة تامة أن أكون أنا, كما أردت, لكني كنت أجهل كيف أصل الى هذا الأنا, كنت أظن أن السعي بجانب الحائط سيمكنني من التغلب على خوفي من التقدم الأكاديمي, لكني سرعان ما كنت أجد نفسي أمام ذلك الحائط, في هذه الدورة تعلمت كيف أتسلق هذا الحائط بدلا من التحديق فيه. تعلمت كيف أكون شخصا جديدا, كيف أحب لنفسي قبل أن أحب ما يريد الآخرون لي أن أكون, تعلمت أن الحياة الاكاديمية ليست سهلة كما تصورها المسلسلات الرمضانية, لكنها ليست مستحيلة أيضا, تعلمت أني حين أريد شيئا فلابد أن يطاوعني العالم كله للحصول عليه, بشرط أن أطاوع نفسي أولا. ستبدو للوهلة الأولى أنها نظريات على ورق, لكنها ليست كذلك بعد أن كنا نتمرن ونتأكد بأن هدف الدورة تم على أكمل وجه.
شكرا لك طالب على كل لحظة أسعدتنا, وزدت من معرفتنا بأنفسنا, شكرا لك على منحنا هذه الفرصة لنغوص في أعماق طموحاتنا وقدراتنا المختبئة خلف أسوار الخوف. شكرا لك على منحنا القدرة لنعرف قدرة أنفسنا على التفوق والتقدم, تذكر أن من علمني حرفا كنت له عبدا. شكرا لليث جيوسي على هذه المشاريع الرائعة, شكرا لكم.
Jan 10, 2010
بنكي .. أنت طالق بالثلاثة
مضت خمس سنوات منذ أن دخلت عالم البنوك. في البداية كنت لا أزال أملك القليل من المال لأودعه في المصرف, كنت قد ادخرت هذا المال من عملي في مجال البناء كعامل بسيط, ومن كوني "تاجر" سابقا للألعاب النارية ايام الطفولة. تجربة المصرف أخذتني في عالم من الأوراق والوثائق الكثيرة. أذكر حينها أن أبي أخذني الى إحدى الفروع في شارع يافا في القدس. قمنا بعمل اللازم للحصول على حساب جديد. وها أنا الآن لدي حساب مصرف في مصرف "بوعاليم" وترجمة هذه الكلمة يعني بنك العمال.
لطالما أحببت هذا الفرع, ولطالما سعدت من الخدمات التي أتلقاها من الموظفات هناك, حتى أني كثيرا ما شجعت غيري على تحويل حساباتهم البنكية الى ذلك الفرع من منطلق أني أشعر بالراحة هناك, ولا مجال "للمقارنة" بغيره من البنوك. ما كنت أجهله في ذلك الحين, أني كنت مثل كثيرون غيري ممن يقعون في متاهة عدم المعرفة, أو لنسمها, متاهة البنوك.
بغض النظر عن الموظفات الجميلات, والهدايا المتكررة, والخدمات السرعة, هنالك ما يسمى بالبيروقراطية, وهي من أكثر المعوقات للمواطن العادي في حياته الطبيعية خصوصا في الدول "الديمقراطية", ما أعنيه ربما لن يكون مهما للبعض, لكني شخصيا أعاني هذه الظاهرة السيئة في هذا المجتمع. مشكلة البيروقراطية هي بالنتائج المتراكمة على رؤوس المواطنين, وفي هذه الحالة, على رؤوس الزبائن في البنوك. إن لكل عملية بنكية سعرا آخر, حتى سحب النقود بات يلازم نوعا من الدفع, ولو كان مبلغا رمزيا.
مشكلة البنوك لا تقتصر فقط على البيروقراطية ذاتها وإنما على "غباء" الموظفين نوعا ما, هذا الأمر وحده كفيل بأن يعيق يوم عملي كله أو أن يعكر صفو مزاجي فيتحول يوم عملي الى جحيم, ويصبح يوم دراستي كئابة متواصلة, هكذا هي الحال عندما أصطدم بحائط بملامح إنسان ألا وهو موظف أبله. هذا ما حدث معي يوم الأحد الماضي. قبله بأسبوعان كاملان, ذهبت الى المصرف على نية أن أخرج وبحوزتي توقيع المصرف على ورقة تحويل نقود من حسابي البنكي الى حساب الجامعة, على شكل دفعات, بدل أن أسحب نقدا وأدفع دفعة دسمة. دخلت الى المصرف, كالعادة إنتظرت قليلا ثم توجهت الى خلية الموظفة, هناك أخرجت الورقة من حقيبتي, وقد طلبت مني على الفور بطاقة الجامعة لكي تحول نوع حسابي من عادي الى طالب جامعي, وقد تركت توقيعها على هذه المعاملة, ثم توجهنا للحديث عن طلبي الأسطوري.
قمت أنا بلمئ الإستمارة كلها ولم يبقى سوى أن تخرج الموظفة الختم وتوقع على الإستمارة, وهذا لم يحدث, فقد أخذت الإستمارة ووضعتها في كومة من الإستمارات (والتي أظن أن مصيرها كان كمصير إستمارتي) وقالت لي أن هذا سيأخذ أسبوعا من المعاملات وأن المصرف سيقوم ببعثها الى الجامعة نيابة عني, وقد ذكر على الإستمارة ذاتها أن على الطالب توصيلها الى الجامعة بنفسه, لم يقنعني تصرفها ورغم ذلك فقد سلمت للأمر من منطلق أني "أثق" في هذا المصرف ومن يعمل فيه.
خرجت من هناك أسرع نحو الحافلة لأصل الى الجامعة وأبدأ أسبوعا جديدا, وبدون أن أقصد, قمت بإجراء محادثة هاتفية مع أخي أتحدث عن أشياء مختلفة ومن ضمنها سألته عن أمر الإستمارة, قال لي أنها موظفة ساذجة, وقد تصرفت بغباء ولن أنال التحويل المصرفي حتى بعد سنة!!
لم أخذ كلماته بجدية, وقلت لنفسي لأجرب, وهكذا كانت قصتي قد بدأت تأخذ شكلا جديا. مر أسبوع, والجامعة ما زالت تحجب عني رؤية تحصيلي العلمي, ومواعيد الإمتحانات, وغيرها من الخدمات. بعد أسبوعان, عدت الى المصرف, وعدت الى الموظفة نفسها, تريثت قليلا وفكرت أن أسحب نقدا ثمانية الآف من الشواقل أي أكثر من ألفا دولار, ودفعهم دفعة واحدة الى حساب الجامعة. أخذت بطاقة إنتظار, لكني وجدت أن أمامي ما يقارب الخمس عشر شخصا ينتظرون, أما في زاوية تلك الموظفة والتي تجلس في "خلية" الخدمات, فقد وجت أن لديها شخص واحدا فقط. ذهبت إليها, لم تعرفني لكني أذكر وجهها جيدا وجسدي يرتعش من الغضب.
بعد أن بحثت عن "قصتي الأسطورية" قال أنها لا تذكر ذلك, أخرجت لها الوصل الذي قد وقعت عليه قبل أسبوعان عندما حولت حسابي من عادي الى طالب جامعي. عندها لم تعد تنكر لكنها غيرت قصتها الى أن إستمارتي لربما تكون قد سقطت سهوا في "خطأ" تقني. الصراحة تقال أني لم ألقى أكثر وقاحة وسذاجة من تلك المرأة. على الفور قلت لها أن ذلك أفضل, تعجبت من قولي سائلة عن السبب, قلت لها أن تبدأ معاملة إغلاق الحساب كله.
بعد أن تعبت من إقناعي بأن هذا ليس خطئها, تعبت من التفكير, وأصريت على أن تغلق الحساب بصورة نهائية. كانت العملية سلسة وقصيرة نسبيا لكني طوالها كنت أوبخ تلك الموظفة وهي كالحائط تتلقى التوبيخ وتسألني إن كنت أريد إضافة كلمات أخرى. جعلتني تقريبا أجهش على البكاء, كنت أتحدث معها بللغة العبرية ثم تحول نصف الكلام الى اللغة الإنجليزية, لكثرة سرعة تدفق الغضب في جسدي, كنت أريد أن أوبخها أكثر, أن أرفع صوتي, أن أعبر عن غضبي.. لكني إكتفيت بتوجيه كلمات مناسبة لوضعها. بصراحة لم أرى أكثر منها وقاحة وغباءا وسذاجة.
بعد خمس سنوات من الخدمات والتهاني والهدايا بمناسبة وبدون مناسبة, أغلقت حسابي هناك, وقمت بفتح حساب في بنك "ديسكونت", على الأقل هنالك فرع في الجامعة, قريب مني متى شئت, ناهيك عن المعاملة الحسنة التي أتلقاها. أشعر أني ربحت وأنهم قد خسروا, وكل ذلك بسبب موظفة تافهة. إذن فقد تم الطلاق بيني وبين بنك العمال, طلاقا كاثوليكيا لا عودة فيه. يؤلمني ذلك لكن هكذا أرادوا أن تكون الموظفة, وهكذا أردت أن أعبر عن غضبي, وهذا ما حدث بيني وبين بنكي. تبا لك يا يفعات إلياهو!!!