لا أعلم مدى تخلف الذين يؤمنون بيوم واحد ويكفرون باقي أيام السنة. لم يعلمنا القرآن أن نتصرف بهذه الصورة في ليلة القدر, ولو علمت أنها ستكون بهذه الفوضى لما ذهبت أصلا الى المسجد الأقصى. فوضى عارمة, تخلف, إنحطاط, عدم إحترام, خليط من الأمور القذرة والمضايقة حدث في ذلك اليوم, فكم أنت مسكينة يا ليلة القدر.
في البداية توجهنا لنركن السيارة في مكان ما. هنالك صاحب معرض سيارات, أخرج سياراته من المعرض وقام بملئ الأماكن الشاغرة خارج محله, لكي يضطر الكثيرون لدخول معرضه والدفع نقدا. ثم نزلنا الى الشارع نمشي وسط الزحام. هنالك أمر مقرف حقا, ولا أحد يستطيع أن يختلف معي به, ولو جلست أقول عنه أنه مقرف وفي قمة النفاق والأنانية, حتى العام القادم فإن أقوالي لن تكفي لوصفه, لأنه أمر مثير للإشمئزاز والقرف.
هنالك ممن لم يعرف معنى الصلاة أصلا, وجدته يحمل سجادة ويجري ويدفع بي لكي أتنحى عن الطريق, وكأن الورع دب فيه دفعة واحدة. قسما أن هنالك إمرأة طاعنة في السن "حجت" بيت الله, كانت تحثنا على عدم الإهتمام بالصلاة في الأقصى فيكفي الصلاة في المسجد في القرية, وجدتها في الأقصى وكانت هنالك منذ صلاة العصر حيث أخذت معها طعامها هناك.
الرائحة نتنة, والقمامة في كل مكان, ولو أني أخذت آلة التصوير, لما خرجت من هنالك دون ان ألتقط مئات الصور المشينة التي تدل على التخلف والإنحطاط. الفوضى تعم المكان, لا تفريق كما يجب بين الرجال والنساء, المصلون يصلون في بقاع مختلفة ولا يعلمون مثلا أن أمامهم مصليات أي أنهم يصلون خلف نساء, فلا تجوز صلاتهم. الكشافة مثل عدمهم, يتراشق المسئولين فيهم الشتائم حتى أنهم يسبون الذات الإلآهية دون أن يرف لهم جفن.
عندما وقفت لأصلي في صف معين, كان غضب العامة قد صب علي. وقفت في أول الصف وكنت "ملطشة" وكل من يمر لا بد أن يضربني بكتفه قصدا أو من دون قصد. أستغفر الله العظيم, رأيت مشاجرة بين بائعين "زعران" وبين المسئولين عن النظام من الأوقاف وقد وصل الحال لأن يدخل أحد الزعران بطاولة ليبيع الكعك بين صفوف المصلين وليس خارج ساحة المسجد, أي أنه عطل حركة المرور بالإضافة الى فتح مجال لآخرين فعلوا مثله. كما أني رأيت أناسا يوزعون الشاي بالمجان, ولم يحلوا لهم "عمل الخير" إلا وسط الزحام والناس تختنق من الزحام.
رأيت ما رأت من أمور متخلفة, فوضى. لكن أن أرى فتيات دون حجاب, إنه أمر يستحق التحدث عنه, المصيبة أني في الشارع لا أبالي, لكن في ساحة المسجد, أمام المصلين, ولم يقتصر الأمر على عدم التحجب فحسب, بل كن يلبسن بناطيلا أيضا. قمة في الإستهزاء, قمة في السخرية من المكان وحرمة المكان, قمة في التخلف, قمة في اللامبالاة وقمة في الفوضى.
ماذا لم أرى في ليلة القدر, رأيت العجب العجاب, تحول المسجد الأقصى الى ساحة تجارية. أقسم أني أعرف شخصا لم يلتفت في حياته يوما الى القبلة, رأيته يحمل سجادة ويصلي, والمصيبة أنه معروف بأنه زنوي وسكير. صدقوني, إنتابني شعور بأن أبكي في ليلة القدر, ليست لأنها خير من ألف شهر, بل لأن من كان في المسجد الأقصى تاجر بها, وتقنع بها, وإشترى بثمنها شيئا قليلا. ليلة القدر كانت مجرد فوضى عارمة. بعد يوم فقط, وكما توقعت, كنت أبحث في المسجد الأقصى عن أحد ليكمل الصف في الصلاة, أين هم, أين مئات الآلاف التي هلكتنا في الأمس, أين هم. لا شيء سوى عمال تنظيف ينظفون ما تركه المنافقون في كذبة تبنوها على أنفسهم بأنهم إذا حضروا ليلة القدر فإبمكانهم الآن العودة الى القمار, والخمور, وحث الآخرين على عدم الصلاة في الأقصى, وحتى ترك الصلاة, إنها العبثية, إنها أحط ما عرفت البشرية من شعوب, إنه النفاق في الفوضى, فوضى ليلة القدر.
No comments:
Post a Comment