تمر الأيام بسرعة رهيبة, لدرجة ان عامل التنظيف في مبنى السنة التحضيرية, والذي كان يصلي مع الطلاب في الطابق السفلي من نفس المبنى والذي كنت القي عليه السلام كل صبح, لم اعرف اسمه او حتى كنيته, كل ما كنت اعرف عنه هو انه شخص طيب وودود وكنت اناديه بألقاب مختلفة مثل "شيخنا", او "حج", وكان يتفاعل مع هذه الألقاب ولم يبدي في يوم من الأيام استغرابا من عدم معرفتنا كطلاب – نأتي الى هذا المبنى ونمكث فيه طيلة النهار وكانه موطن ثان او بيت ثان – باسمه الذي ما زلت أجهله حتى يومنا هذا.
الشيء الوحيد الذي أصر الشيخ ان يقوله لي, او الشيء الوحيد الذي عرفته عنه, وهي في الحقيقة لم يصر على ذلك وانما عرفت من خلال حديثي معه ذات يوم انه قد مر مرحلة تعليمية في حياته. ان حكمنا على شخص ما من خلال المنظر الخارجي, هو اكبر خطأ يمكن للانسان العاقل قبل الغبي ان يرتكبه, ولكن عدم التسرع هو مفتاح الحل.
خلال العام, تعرفت على اصدقاء كثر, عرب ويهود وأجانب, مسلمين ومسيحيين ودروز. هذا التعارف هو شيء طبيعي لاي شخص يتردد على مؤسسات التعليم او حتى مؤسسات عامة ولكن الامر في الجامعات له نكهة خاصة, فهذا التعرف اصبح ياخذ منحنى صداقة وزمالة, ومن الامور الغريبة ان يكون عامل التنظيف الذي يعمل في ذاك البناء قد كون له صداقات كثيرة مع اشخاص في اغلبهم عربا, كنت انا احدهم, لم تكن صداقة بمعنى الكلمة ولكنها كانت نوعا من الود بين الانسان والانسان, وكنا اغلب الوقت نتقابل في الطابق السفلي حيث جعلنا ذلك المكان غرفة للصلاة.
كان الشيخ ياتي كل صباح قبلنا بساعة تقريبا, يمر على الصفوف ليرى اذا كانت تحتاج الى تنظيف فوق التنظيف الذي قام به في اليوم السابق, وعند اقتراب الساعة الثامنة, كان الطلاب يتوافدون على المحاضرات التي تخصهم. ذات يوم وخلال محاضرة ما, خرجت الى الساحة العامة, ولا أذكر سبب خروجي بالضبط ولكني اذكر ما حدث انذاك, فقد تحدثت مع الشيخ عن المرحلة المقبلة من العام الدراسي وما الى ذلك من هذا الكلام, وجرنا الحوار الى الحديث عن الشهادات, فقال لي انه حاصل على دبلوم تجارة, سألته عن المؤسسة التعليمية, فقال انها في الأردن. منذ ذلك اليوم وانا انظر له نظرة مختلفة قليلا, فالمعادلة غير مكتملة, دبلوم تجارة مع عامل تنظيف, ولكنه في نهاية الامر حر فيما يختار وحر فيما يعمل.
No comments:
Post a Comment