غريب ذلك اليوم الذي انفجرت في صباحه ضاحكا على جملة قلتها دون ان ادرك اني اغير التاريخ بكلمة تشابه في لفظها كلمة اخرى, فالأولى هي كلمة جبهة, والثانية هي صدرية. في اللغة العبرية تلفظ كلمة جبهة بـ "حزيت" وجمعها "حزيتوت", اما صدرية فتلفظ بـ "حزيا" وجمعها "حزيوت", ومن يتحدث العبرية يدرك التقارب بين ألفاظ الكلمتان ولكن يدرك ايضا ان الفرق شاسع بين كلتاهما, فالأولى تتبع للحرب والعنف والنار, بينما الثانية تتبع للملابس الداخلية.
كان المحاضر دكتور مردخاي نيسان ياتي الى الصف قبل موعد الحصة بربع ساعة, وذلك من اجل التحدث مع الطلاب الذين يودون التحدث معه, وكان دوما يشجعني على التواصل مع طموحاتي وان لا أهملها, كما شجعني ايضا على الكتابة, فذات مرة وفي لقاء اعده ليتعرف على الطلاب, اطلعته على شغفي بالكتابة. كان مردخاي نشيط العزيمة, وطويل البال, كان يتحدث العبرية والعربية والانجليزية والفرنسية, وعندما كان يتحدث العربية كنت ابتسم لانه عربيته مضحكة نوعا ما.
كنت دوما انتهز الفرصة بعد كل محاضرة لاتحدث معه, واريه في بعض الاحيان امورا تتعلق بالشرق الاوسط والعالم العربي, وحقوق الانسان وحتى اني ذات يوم احضرت له استطلاعا اجرته الجزيرة حول خطورة القنبلة النووية, ومرة عن الوضع في العراق, ومرة عن تيسير علوني وكيف عاملته السلطات الاسبانية بوحشية وهمجية, وكان رده فعله دائما ايجابيا تجاه حرية الصحافة, فهو مطلع على التغيرات في العالم العربي ويدرك جيدا ان العالم العربي ليس بعيدا عن الدولة العبرية على الأقل جغرافيا.
ذات يوم جاء كعادته, جلس يشرب القهوة, وكانت لدي فرصة للتحدث اليه, فسالني عن الوضع وعن الضغط الدراسي والذي اصبح في تلك الأيام ياخذ وضعا حرجا جدا, فطمانته ان كل شيء يسير وفقا لما اخطط. كنا قد وصلنا في تاريخ الشرق الاوسط لحرب اكتوبر, فحدثني قليلا عما سيرويه لنا في المحاضرة, فاستخلصت ان اسرائيل كانت تحارب في جبهتين وليس جبهة واحدة, كانت الساعة الثامنة صباحا وكنت يومها افتح عيني بصعوبة لاني لم انم جيدا, والغريب في الامر اني بدل ان اقل في جبهتين قلت له في صدريتين, فضحك, فقلت له اني لست بكامل استيقاظي, فأخبرني قصة مشابهة حدثت معه, وهكذا جعلت اسرائيل تحارب في صدرية بدل جبهة, غيرت التاريخ والوقائع والحقيقة بخطأ كلامي بسيط.
No comments:
Post a Comment