ظروف قاسية وصعبة تلك التي تضيق الخناق على عمال الضفة الغربية عندما يأتون عبر الحواجز الأمنية الإسرائيلية للعمل داخل الخط الأخضر. ينقسم العمال الى نوعين, الأول وهو الذي لا يمتلك تصريحا بالعمل, وهو النوع الذي يواجه خطورة كبيرة عندما يعبر الحدود الفاصلة بين الضفة الغربية والخط الأخضر. مشهدهم مكرر دائما, سيارة نقل تسع لسبعة أشخاص نجد فيها ما يفوق الخمس عشر شخصا, ويضطر العامل منهم للنوم في الورشة اياما طويلة بعيدا عن أسرته على عكس النوع الثاني, الذي يمتلك تصريحا. لكن من يمتلك هذا التصريح يعيش وكأنه في سجن كبير, لأن التصريح يجبره أن يعبر الحاجز الأمني من الصباح باكرا, وأن يعود من الحاجز في المساء, ليقف في طابور طويل جدا, لدرجة أن أحد الذين يمتلكون التصاريح قال ذات يوم ان الزواج أهون من حمل التصريح, لأن الشرطة الإسرائيلية ستطارد كل من لم يرجع في الليل الى بيته.
حال المتعهدين ليست أفضل حالا من العمال. سنواتهم الذهبية انقرضت منذ انتفاضة الأقصى الثانية. كانت سنوات التسعينيات من القرن الماضي بمثابة سنوات ذهبية لكل المقاولين والمتعهدين سواءٌ كانوا من الضفة او من الخط الأخضر, حيث إزدهر مجال البناء بشكل كبير, وكانت الأمور تؤول الى التحسن وخصوصا بعد عملية السلام بين إسرائيل والأردن حيث منحت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل ما يقارب العشرة مليارات دولار أنعشت السوق كله أنتعاشا أدى الى زيادة الأرباح في العقارات. لكن الأمر لم يطل كثيرا, وذلك للتغيير المستمر في القيادات الإسرائيلية, فمنذ عام 1996 وعندما فاز نتانياهو في الإنتخابات بدأت الأمور تضطرب حيث إزدادت التفجيرات الإستشهادية بشكل كبير ويومي, وبقيت هذه الحال حتى إندلعت إنتفاضة الأقصى الثانية لتعلن أن مئات الآلاف من العمال باتوا من غير عمل, ومن يريد العمل داخل إسرائيل فعليه أن يحصل على تصريح بذلك.
أفلس الكثير من المتعهدين, ممن كانوا يحصلون ما يقارب الثمانية الآف دولار شهريا, ليخسف وضعهم الإقتصادي حيث وصلوا الى مستويات متدنية لا تتجاوز أتعابهم بضع مئات من الشواقل شهريا. منذ تلك السنوات بدأ التنافس على العمل بين كل من يملك تصريحا وبين كل من لا يملك, وأصبحت الأمور وكأنها غابة, القوي فيها من يصمد. وبدأ التلاعب في الأسعار ذلك الأمر الذي أدى الى انهيار تام في الأرباح فأصبح العمل في مجال البناء وكأنه خدمة ليس فيها مكان للربح كما في الأيام الخوالي. وصلت الحال الى درجة أن أحد المتعهدين القدامى ممن لا يملكون تصريحا, أن يأتي الى صاحب البيت الذي كان يعمل عنده متعهد من داخل الخط الأخضر, وعرض عليه أن يأخذ العمل في سكنتان سويا, بمبلغ يقل عن الذي عرضه عليه المتعهد من الخط الأخضر بكثير. فعندما سأله المتعهد عن ذلك قال أن لديه عشرة اطفال ولا يمتلك عملا, فما كان من المتعهد الأول الى ان يقول له خذها.
كان بإمكانه أن يبلغ عنه كونه لا يحمل تصريحا فيسجن هو وصاحب البيت, لكنه وضع نفسه مكانه فوجدت أن يترك له الورشة كلها, رغم أنه خسر ما يقارب المئة ألف شاقل. لم تمضي أيام قليلة إلا وقد حصل المتعهد على عمل في مصنع كبير, لدرجة أن سيارته لم تكفي للعمال, فإستأجر سيارة جديدة. وسار العمل بصورة ممتازة, وقبض الجميع أجره وفوقه بقشيش أيضا.
No comments:
Post a Comment